اخبار العالم

من محمد رضا شاه إلى خامنئي: 80 عاماً من إنكار السجين السياسي!

“إنه يضحك ملء شدقيه”، هذه الكلمات هي بطاقة تعريف السجين السياسي؛ هوية تكشف ليل الاستبداد والديكتاتورية، فهو في صراع دائم مع الظلام، لكنه مفعم بالحياة وابتسامته لا تفارق محياه. لم يخلُ تاريخ إيران في التسعين عاماً الماضية من حضور وشهادة السجين السياسي في الخطوط الأمامية للنضال ضد مختلف أشكال الديكتاتورية. ولهذا السبب، فإن أي شخص أو سلطة تنكر وجود السجين السياسي وهويته التواقة للحرية، إنما تثبت وتوقع على طبيعتها الديكتاتورية. فالاعتراف بالسجين السياسي وهويته هو اعتراف صريح بسلب الحرية من قبل السلطة الحاكمة.

لقد دخل مصطلح “السجين السياسي” إلى الأدبيات السياسية والنضالية في إيران منذ عام 1937. ولا يمكن تصور التاريخ السياسي والاجتماعي والثقافي لإيران على مدى الـ 88 عاماً الماضية دون الدور البارز والمؤثر والريادي لـ “السجناء السياسيين”. إن استمرارية وجود أجيال من السجناء السياسيين على مدى هذه العقود التسعة، يعبر عن استمرارية ألم تاريخي مزمن ومشترك عنوانه سلسلة الديكتاتوريات في إيران. ومن هذا المنطلق، كان السجناء السياسيون المناهضون الرجعية والدكتاتورية، ولا يزالون، هم الضوء المنير والعقل المستنير والوجه المشرق لتاريخ إيران.

وفي 10 أغسطس، صرح غلام حسين ايجئي، رئيس السلطة القضائية التابعة للولي الفقيه الرجعي، بأن هناك خمسة سجناء سياسيين فقط في هذا النظام! يجب كتابة هذا التصريح في نفس السطر مع تصريحات محمد رضا شاه الذي قال “ليس لدينا سجناء سياسيون”! كما أنكر برويز ثابتي، أحد أبرز عملاء جهاز السافاك، وجود سجناء سياسيين في النظام الملكي! إن ايجئي (ممثلاً عن خامنئي) ومحمد رضا شاه وثابتي متفقون على أن السجناء هم سجناء “أمنيون”. يقول الروائي الفرنسي الشهير رومان رولان في كتابه “الروح المسحورة”: “كلب الأمن ينبح دائماً”.

يجب أن نسأل العقل المدبر للنظام وسلطته القضائية: هل حركة “لا للإعدام”، التي تطالب بها غالبية الشعب الإيراني، حركة وطنية سياسية أم لا؟ حركة تدعمها كافة المحافل الحقوقية في إيران والعالم، ومنظمة العفو الدولية، ومفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة. هذه الحركة يمثلها الآن السجناء السياسيون في 49 سجناً في إيران، وتُنظم أسبوعياً تحت عنوان “ثلاثاءات لا للإعدام”. وقد نُظمت هذه الحملة، في أسبوعها الحادي والثمانين، يوم الثلاثاء 12 أغسطس، كرد مباشر على هوية السجناء السياسيين لممثل الولي الفقيه والعقل المدبر للنظام بزعامة خامنئي.

إن خطاب ايجئي ليس مفاجئاً. فمن منظور الديكتاتورية الحاكمة، غالبية الشعب الإيراني الذين يطالبون بإسقاط هذا النظام هم قضية “أمنية”، وليسوا مطالبين سياسيين! لسان حال الشعب الإيراني في الرد على الأدبيات المبتذلة للولي الفقيه وعملائه، هو عبارة الشاعر الراحل أحمد شاملو التي تعبر عن وجود جبهتين وقطبين للصراع في إيران: “أيها الرجل الأحمق! أنا لست عدوك، أنا نَفْيُكَ”.

الآن، دعونا ننظر إلى الخصائص التي يتمتع بها السجين السياسي والتي تجعل كلاً من محمد رضا شاه، وبرويز ثابتي، وورثتهم مثل الخميني وخامنئي، ينكرون وجوده التاريخي:

  1. السجين السياسي هو الرائد في فهم الألم التاريخي لإيران.
  2. هو عين المجتمع الساهرة في حماية حقوقه.
  3. هو العصب الحساس الذي يشخص الألم في مجتمع أسير للديكتاتوريات.
  4. هو لسان وصرخة الشعب المطالب بالعدالة في وجه الطبقات المستغِلة والمهيمنة.
  5. هو الذي يسلط الضوء على ابتذال الديكتاتوريات ليلفت انتباه الجميع إلى السبب الجذري لتخلف إيران.

أليست هذه الخصائص الخمس هي القضايا الأكثر إلحاحاً للشعب الإيراني اليوم في مواجهة حكم الملالي؟ في مرآة هذه الخصائص، يمكننا أن نقرأ تاريخ الـ 46 عاماً الماضية من حكم ولاية الفقيه، بل وتاريخ 100 عام من طغيان الشاه والملالي.

ليس من المستغرب أن ينكر وجود “السجين السياسي” نظامٌ يمحو آثار جرائمه في الثمانينيات بالجرافات في مقبرة “بهشت زهرا” لإنكار أسماء وآثار ضحايا الجريمة؛ فالجريمة متجذرة في فكر نظام ولاية الفقيه. لذا، فإن أي ظاهرة سياسية أو اجتماعية تواجه هذه السلطة، يتم التفكير فيها وتفسيرها بلغة الجريمة.

إن النظام الذي يصف انتفاضة غالبية الشعب الإيراني للمطالبة بحقوقهم بأنها “شغب” و”محاربة” و”بغي”، يرى في “السجين السياسي” كابوساً دائماً يتربص به، لا يمكنه وصفه إلا بلغة جنائية؛ لأنه أسير في أغلاله، وحتى في أسره، هو شمس تسلط الضوء على ابتذال ظلام ولاية الفقيه ولا تستسلم له. إن هذا الإنكار الحاقد لـ “السجين السياسي” من قبل رئيس قضاء الولي الفقيه، يعبر عن عمق المعركة الكبرى التي يخوضها رواد حرية الشعب الإيراني مع نظام الملالي برمته، في مرحلة الحسم النهائي لهذه المعركة التي يقف السجناء السياسيون في طليعتها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى