اخبار العالم

الإرهاب عقيدة وفكر نظام الملالي

 

د. سامي خاطر/ أكاديمي وأستاذ جامعي

د. سامي خاطر/ أكاديمي وأستاذ جامعي

منذ وصول نظام الملالي إلى السلطة في إيران عام 1979.. اتخذ الإرهاب منهجًا ثابتًا وأداة استراتيجية لبسط نفوذه داخليًا وخارجيًا.. ولم يكن الإرهاب بالنسبة لهذا النظام عملاً عابرًا أو رد فعل ظرفي؛ بل أصبح جزءًا من بنيته الفكرية والعقائدية، ووسيلة لتحقيق أهدافه السياسية والإيديولوجية.

الجذور العقائدية للإرهاب في نظام الملالي

يرتكز النظام الإيراني على أيديولوجية ولاية الفقيه التي تمنح الحاكم الديني سلطة مطلقة، وتربط السياسة بالدين في إطار يبرر القمع والتوسع تحت غطاء “حماية الإسلام”.. هذه العقيدة تُضفي شرعية مزعومة على استخدام العنف ضد المعارضين في الداخل والخارج، بزعم أنهم “أعداء الثورة” أو “أعداء الله”.

الإرهاب كأداة سياسية

اعتمد هذا النظام الفاشي سياسة تصدير الثورة إلى الدول المجاورة عبر تشكيل وتمويل وتسليح ميليشيات تابعة له مثل حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، والميليشيات الطائفية في العراق وسوريا.. والهدف من ذلك هو فرض النفوذ الإيراني في المنطقة وابتزاز المجتمع الدولي عبر خلق بؤر توتر دائمة.

القمع الداخلي والإرهاب الممنهج

في الداخل مارس النظام الإيراني الإرهاب ضد شعبه من خلال جرائم الإبادة الجماعية مثل مجزرة 1988 التي راح ضحيتها أكثر من 30,000 سجين سياسي، وحملات القتل تحت مسمى الإعدام، وقمع الاحتجاجات الشعبية بالقوة المفرطة كما حدث في انتفاضات 2009 و2019 و2022، وملاحقة المعارضين في الخارج عبر الاغتيالات ومحاولات التفجير بما في ذلك استهداف تجمعات المقاومة الإيرانية في أوروبا.

الإرهاب الخارجي

لا يقتصر إرهاب الملالي على الداخل فحسب بل يمتد ليشمل عمليات خارجية معقدة مثل: تفجير السفارة الأمريكية في بيروت 1983، واستهداف ناقلات النفط في الخلي. والتخطيط لعمليات اغتيال ضد معارضين وشخصيات سياسية في أوروبا وأمريكا، والهجمات البربرية التي شنها الموالون للملالي في العراق ضد عناصر منظمة مجاهدي خلق قاطني مدينة أشرف حينها حيث ارتكبوا جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية وأطبقوا حصارا قاتلا على أشرف ومن فيها رغم أن أشرف كانت تحت الحماية الدولية.

دور المجتمع الدولي

على الرغم من وضوح السجل المروِّع لهذا النظام في الإرهاب فإن التهاون الدولي أتاح له مواصلة أنشطته التخريبية.. فكلما تغاضى المجتمع الدولي عن جرائمه بحجة المصالح الاقتصادية أو الاتفاقات النووية أو ما شابه ذلك ازداد النظام جرأة على ارتكاب المزيد من الجرائم.

إن الإرهاب بالنسبة لنظام الملالي ليس مجرد سلوك سياسي بل هو عقيدة وفكر يقوم عليه وجوده ما دام هذا النظام قائمًا، وستبقى المنطقة والعالم عرضة لجرائمه، وهنا لا يكمن الحل الجذري في المساومات أو الاتفاقات الجزئية بل في دعم إرادة الشعب الإيراني وقوته الديمقراطية “المقاومة الإيرانية” من أجل إقامة نظام ديمقراطي متحضر يحترم حقوق الإنسان ويؤمن بقيم التعايش السلمي.

هيكلية قيادة الفعاليات الإرهابية لدى نظام الملالي في إيران

منذ استيلائه على الحكم عام 1979 أسس نظام الملالي في إيران منظومة متكاملة لإدارة أنشطته الإرهابية داخليًا وخارجيًا بحيث تعمل ضمن هيكلية منظمة تجمع بين الأجهزة الأمنية والعسكرية والدبلوماسية والميليشيات التابعة له.. هذه الهيكلية ليست عشوائية؛ بل مصممة لضمان تنفيذ العمليات الإرهابية بكفاءة مع توفير الغطاء السياسي والمالي لها.

الولي الفقيه – مركز القرار الإرهابي

على رأس الهرم يقف الولي الفقيه الذي يمتلك السلطة المطلقة على جميع أجهزة الدولة بما فيها العسكرية والأمنية.. وجميع القرارات المتعلقة بالعمليات الإرهابية الخارجية أو القمع الداخلي تمر من خلاله، باعتباره المرجع الأعلى في نظام “ولاية الفقيه”. فهو من يضع الاستراتيجية العامة لتصدير الإرهاب، ويوافق على العمليات الكبرى قبل تنفيذها، ويشرف على تنسيق الأذرع المختلفة للنظام.

المقاومة الإيرانية تكشف: الهيكل القيادي الإرهابي لنظام الملالي لتنفيذ عمليات الاغتيال خارج إيران

في مؤتمر صحفي عُقد يوم الخميس 7 أغسطس 2025 كشف مكتب ممثلية المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية في واشنطن عن معلومات جديدة ومفصلة تفضح هيكلية قيادة الإرهاب في نظام الملالي والمسؤولين عن التخطيط وتنفيذ الاغتيالات في خارج إيران، وأكدت المقاومة الإيرانية أن القرارات المتعلقة بالعمليات الإرهابية الكبرى يتخذها الولي الفقيه علي خامنئي شخصياً، وأن لجنة خاصة باسم “مقر قاسم سليماني” بقيادة نائب وزير المخابرات تتولى تنسيق هذه العمليات بين وزارة المخابرات واستخبارات حرس النظام الإيراني وقوة القدس.

بناءً على معلومات دقيقة تم الحصول عليها من داخل إيران كشفت المقاومة أن “مقر قاسم سليماني” هو الهيئة المركزية التي تنسق العمليات الإرهابية في أوروبا وأمريكا، ويقود هذا المقر نائب وزير المخابرات، سيد يحيى حسيني بنجكي (المعروف بالإسم المستعار “سيد يحيى حميدي”). وتعمل هذه القيادة بالتنسيق مع الملا حسين صفدري رئيس منظمة الاستخبارات الخارجية في وزارة المخابرات. ويتولى بنجكي مسؤولية التنفيذ بينما يوفر صفدري الدعم اللوجستي والاستخباراتي وغطاء النشاطات عبر المحطات التابعة للوزارة في سفارات النظام.

في تقرير صادم نشرته صحيفة “ديلي إكسبرس” البريطانية تم الكشف عن معلومات خطيرة قدمها المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية خلال مؤتمر صحفي في واشنطن، وتفيد هذه المعلومات المستندة إلى وثائق داخلية مسربة بأن الولي الفقيه للنظام الإيراني علي خامنئي قد أجاز اغتيال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وأن موقعه الرسمي على الإنترنت يحتوي على مقطع فيديو يظهر سلاحاً موجهاً نحوه.

وبناءً عليه حذر جعفر زاده نائب مدير مكتب المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية في واشنطن من أن سفارات النظام الإيراني في لندن وعموم أوروبا تلعب دوراً محورياً في الهجمات الإرهابية التي تدعمها طهران في الغرب، وطالب بالإغلاق الفوري لسفارة النظام في لندن قائلا: “يجب إغلاق السفارات.. إنها تعمل كجزء لا يتجزأ من العمليات الإرهابية، ولتنفيذ المخططات الإرهابية تحتاج إلى عملاء ومعلومات استخباراتية”، وأوضح أن منظمة الاستخبارات الخارجية التابعة لوزارة المخابرات الإيرانية توفر هذا الدعم من خلال محطاتها الاستخباراتية المدمجة في سفارات النظام والتي تقدم المعلومات والموارد والغطاء لأنشطة دبلوماسيي النظام الإرهابيين.

الحرس الثوري – الذراع العسكرية والإرهابية

يُعد الحرس الثوري الإيراني العمود الفقري للعمليات الإرهابية حيث يضم: فيلق القدس: الجهاز المكلف بالعمليات الخارجية، والمسؤول عن تدريب وتمويل وتسليح الميليشيات التابعة لإيران في لبنان، العراق، سوريا، واليمن وغيرها، ووحدات الاستخبارات التابعة للحرس هي المعنية بتنفيذ عمليات الاغتيال والتخريب ضد المعارضين في الخارج، والقوات البرية والبحرية والجوية للحرس هي المعنية بتوفر الدعم اللوجستي للعمليات الإرهابية.

وزارة الاستخبارات والأمنالعقل الاستخباري

تتولى وزارة الاستخبارات جمع المعلومات، والتخطيط للعمليات السرية، وتنفيذ الاغتيالات ومحاولات التفجير خارج إيران، وتعمل هذه الوزارة بالتنسيق المباشر مع الحرس الثوري، وتستخدم السفارات الإيرانية كغطاء لعناصرها في الخارج. وتتسلل إلى الجاليات الإيرانية لمراقبة المعارضين.

كمثالٍ عملي أوضحت المقاومة أن محاولة اغتيال البروفيسور أليخو فيدال كوادراس النائب السابق لرئيس البرلمان الأوروبي، في نوفمبر 2023 تمت بقيادة مباشرة من سيد يحيى حسيني بنجكي، وقد تم تنفيذ العملية باستخدام شبكة من العصابات الإجرامية (ماكرو مافيا) المرتبطة بقوة القدس، والتي كانت تحت سيطرة قسم الاستخبارات الخارجية. ويُذكر أن النظام كان قد أدرج اسم البروفيسور فيدال كوادراس على “قائمته السوداء” قبل محاولة الاغتيال.

مؤامرة تفجير مؤتمر المقاومة في فيلبينت 2018

كشف التقرير أيضاً أن نفس القيادة كانت متورطة في المؤامرة الإرهابية التي تم إحباطها والتي كانت تستهدف التجمع السنوي للمقاومة الإيرانية في فيلبينت بباريس عام 2018، والذي كان يستهدف السيدة مريم رجوي وشخصيات دولية بارزة، وكان رضا أميري مقدم الذي يشغل الآن منصب سفير النظام في باكستان هو رئيس منظمة الاستخبارات الخارجية آنذاك وأحد قادة المؤامرة.. بينما كان أسد الله أسدي الدبلوماسي الإرهابي الذي أُدين لاحقاً لذلك في بلجيكا هو القائد الميداني للعملية وتمت مقايضته في صفقة مساومة مشينة مع النظام.

وزارة الخارجية – الغطاء الدبلوماسي

تعمل وزارة خارجية نظام الملالي على توفير الغطاء السياسي للعمليات الإرهابية عبر: حماية العملاء الاستخباراتيين تحت صفة “دبلوماسيين” والتفاوض لتهريب أو إعادة عناصر متورطة في الإرهاب وتبرير جرائم النظام أمام المجتمع الدولي.، كما تُعد السفارات والقنصليات والممثليات الدبلوماسية للنظام في الخارج أوكاراً للتجسس والفساد.

الميليشيات التابعة – الأذرع الخارجية

يدير النظام شبكة واسعة من الميليشيات الطائفية التي تنفذ عملياته بالوكالة أبرزها: حزب الله في لبنان. والحوثيون في اليمن. والميليشيات الطائفية في العراق وسوريا.. هذه المجموعات تمثل القوة الضاربة للنظام خارج حدوده، وتوفر له إمكانية تنفيذ عمليات مع الحفاظ على قدر من الإنكار حيث تتحمل هذه الميليشيات مسؤولية أعمالها ساعية إلى حماية النظام من أية مسؤوليات أو مسائلات.

المؤسسات الاقتصادية – تمويل الإرهاب

يمتلك الحرس الثوري والمؤسسات التابعة للولي الفقيه شبكات اقتصادية ضخمة تشمل شركات تجارية، ومؤسسات خيرية ظاهرية، وعائدات النفط تُستخدم كلها في تمويل العمليات الإرهابية وغسل الأموال.

إن هيكلية القيادة الإرهابية في نظام الملالي تُظهر بوضوح أن الإرهاب بالنسبة لهذا النظام سياسة دولة وليست تصرفات فردية أو استثنائية، ويمثل هذا الترابط بين القيادة العليا، والحرس الثوري، ووزارة المخابرات، والغطاء الدبلوماسي والميليشيات آلة متكاملة للعنف والتخريب تهدد أمن المنطقة والعالم، ويتطلب التصدي لها مقاربة شاملة تستهدف هذه البنية بكاملها لا مجرد مواجهة نتائجها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى