في المرّات القليلة التي اختلفت خلالها الظروف والرجال، أُخضِعَت دفة الميزان بالإغتيال
قل ما يُقال في هذا الزمن الرديء، أننا نشهد على منعطف مؤامرة باتت تُسَطّر خواتيمها بنجاح، في جمهورية ما عادت على قيد أيٍ من مُقَوّمات الإستمرار، لا في زعاماتها المُتَوارَثَة، ولا في ما تَوارَثوا، ولا في قياداتها، ولا مُكَوّناتها الإدارية التي تنازلت عن النفوذ والدولة، مُقابل سلطة في صورة، تشهد على خسارة لبنان معالم صيغته ودستوره، وأدبيات التخاطب والتعاطي مع الشريك، ومعاني الشراكة مُجتَمِعَة، وكل ما له صلة بأي تركيبة جامعة، والحقيقة، أن ما نَتَلَمَّسَه اليوم بين أُفُق الوطن والمنطقة، يتجاوز لحظة غلبة عابرة وانفعال في توزيع التهم، ونبش قبور يُعيد ترسيم خارطة التفاهمات على قاعدة التحاصص في الوطنية، ووفقاً لمشهدية راهنة تُحَدّد نوعية العلاقة بين صاحب المنصب، وصاحب السطوة.
الرسائل واضحة وأكثر من صريحة، وإن لم تتبلور بعد لتستكمل شكل الواجهة الفعلي، الصادم والمُصادم، ولازالت في بعض محطاتها والإستحقاقات تُقَرّش بالأخلاق والوجه السموح وفَيض الضمانات والأمان، المُخَطَّط في غَير مكان، نجح، ام لم ينجح..
مشروع حزب الله لن يتوقف عند وصاية على الذين أوصلهم الى الصورة، ولا عند حقيبة وزارية تتحكّم ببعض مسارب التمويل التي تتسلّل بين طهران والضاحية مُخترقة عقوبات واشنطن، ولا عند أجندة استقرار مشروط بدوام طمأنينته، يضمنه ساعة يشاء، ويهزه غب الحاجة.
فما كان يُهمَس في السر، وبصَوت يكاد لا يُسمَع، انتقل الى العلن، وجهاراً، على لسان أرفع تمثيل للدبلوماسية الإيرانية، وزير خارجية الجمهورية الإسلامية محمد جواد ظريف: ((نربح لبنان اذا خسرنا سوريا))، رسالة، لم يكن الرد عليها بمستوى حجمها، ولا بمستوى خطورتها، مرت مرور الكرام عبر القنوات السياسية اللبنانية، وكأنه ما من اعتراض على مضمون المهمة إلا في شكليات المواقف، وثرثرات سيادية ترتفع وفق مصلحة، وتتدهور على وقع مكسب، ويُتَرجمها البعض على أنها لا تتخطى حدود مناورة وهمية بأسلحة خلّبية، أمام مد روسي جارف ضرب اجتياح النفوذ الفارسي في واحدة من العواصم التي يعتبرها الحرس الثوري تحت السيطرة الكاملة.
تراجع تفرّد الإستيلاء على قرار دمشق، يدفع في اتجاه بيروت على نحو أوسع وأشمل، المشكلة هنا ليست في مُكَوّنات الباسيج اللبناني، ولا في حزب الله وتحالف الإنتصارات الإقليمية، إنما في استراتيجية التَنَحي التي يعتمدها أقطاب الوطنية الفضفاضة، والصلاحيات، وحقوق الطوائف، وتتقاطع في أكثر من توقيت وخَيار مع سيناريوهات المحاور والجوار والسلم الأهلي والإحتضان الجغرافي، وثقافة التعاون المُقاوِم..
تعبوية وشعبوية خارج أجندة القرار، بدَورٍ خارج الإمكانيات والفعالية، ومواقف معترضة تكاد تكون معدومة، داخل الحكومة وخارجها، إلا في لحظة حرج متأخرة وغير مجدية، ببساطة، لبنان المُنقَسِم في مختلف الإتجاهات، بين ارتباطات وتجاذبات وتداعيات، بات أقرب الى دولة الفوضى المُنَظَمة، المُشَرعَنة، والتي تتأرجح أهليتها بين فساد ومكافحة فساد، وبيئة ونفايات، ومواسم فتح ((ريغارات))، وعتمة، وتأمين اعتمادات ((فيول وغاز أويل))، وصفقات، وتصفية حسابات.
في المُلَخَّص، هناك مَن يعتقد أنها مسألة وقت وانتظار، وأنه لابد من نهاية في لحظة مُتَغَيّرات قد تطل على المنطقة بأقرب من المُتَوَقَع، وأن المشهد الراهن لن يطول، في المُقابل، نحن اختبرنا أكثر من تجربة مع مُتَغَيّرات مُماثلة، بنفس التركيبة، والوجوه المُتَعاقِبة، بمَن بقي، وبمَن غاب وحضرت ملائكته، وفلسفته، وفصائل ((الخردة والأنقاض)) التي تحكم البلاد منذ جمال باشا، والتاريخ شاهد، أرهقتنا الخَيبات بالنصاب المُكتَمِل، وفي المرّات القليلة التي اختلفت خلالها الظروف والرجال، أُخضِعَت دفة الميزان بالإغتيال..
طوني ابو روحانا – المرصد اونلاين