العالم يدفع ثمن حماية الإدارة الأمريكية لجماعة الحوثيين الإرهابية

تجاوزت تداعيات جماعة الحوثيين حدود اليمن، لتصبح مصدر تهديد واسع النطاق يطال الأمن الإقليمي والاستقرار العالمي. فقد تسببت هجماتهم المتكررة على السفن في البحر الأحمر وباب المندب في اضطراب حاد لحركة التجارة الدولية، وارتفاع ملحوظ في تكاليف النقل والتأمين. وعلى مستوى الخليج، شكّلت الصواريخ والطائرات المسيّرة المستخدمة ضد السعودية والإمارات خطرًا مباشرًا على البنى التحتية الحيوية، وأدّت إلى تصعيد أمني مقلق. كما ساهمت الجماعة، بصفتها ذراعًا عسكرية لإيران، في تأجيج التوترات بين طهران والعواصم الإقليمية والدولية.
ورغم تصنيف الولايات المتحدة لجماعة الحوثي كقوة مهددة للاستقرار في المنطقة، وإظهارها دعمًا علنيًا لتحالف الشرعية اليمنية بقيادة السعودية، إلا أن تطورات الأحداث في اليمن تكشف عن تناقضات في السياسات الأمريكية أسهمت في تمكين الحوثيين وتعزيز قبضتهم على البلاد. في هذا التحليل، نستعرض أبرز أوجه هذه المساعدة غير المباشرة:
1. السماح الضمني بسيطرة الحوثيين على صنعاء (2014)
يُعدّ السماح الضمني بسيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء عام 2014 من أبرز علامات الاستفهام في السياسة الأمريكية تجاه اليمن. فعلى الرغم من أن واشنطن لم تكن داعمًا مباشرًا للانقلاب الحوثي، إلا أن موقفها المتراخي آنذاك سمح بحدوث تحول جذري في المشهد اليمني.
2. تقاطع مصالح خفي ضد حزب الإصلاح والإخوان المسلمين
بعد ثورة 2011 وسقوط نظام علي عبد الله صالح، برز حزب الإصلاح اليمني (الفرع المحلي لجماعة الإخوان المسلمين) كقوة سياسية مؤثرة.
خلال تلك الفترة، كانت الولايات المتحدة وبعض حلفائها الإقليميين، وعلى رأسهم الإمارات، ينظرون بريبة إلى صعود الإسلام السياسي في اليمن والمنطقة.
وقد فضّلت واشنطن كبح جماح حزب الإصلاح، ووجدت في الحوثيين – غير المنتمين للإخوان – وسيلة غير مباشرة لإعادة التوازن السياسي.
3. تعاون استخباراتي سابق بين الحوثيين وواشنطن ضد القاعدة
منذ عام 2012، وُجد تعاون غير معلن بين الحوثيين وأجهزة الاستخبارات الأمريكية في الحرب ضد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.
الحوثيون أظهروا عداءً معلنًا للتنظيم، ونفذوا عمليات ضده في البيضاء وأبين، مما جعل واشنطن تنظر إليهم كقوة قادرة على إضعاف “عدو أخطر”.
4. رغبة أمريكية في إبقاء اليمن ضعيفًا وغير موحّد
لطالما نظرت واشنطن إلى اليمن كدولة هشة قرب باب المندب، وأي يمن موحّد بجيش قوي قد يُعتبر تهديدًا للمصالح الغربية في المضيق.
وقد فسّر بعض المحللين سياسة “الانقسام المستمر” داخل اليمن كنهج أمريكي غير معلن للسيطرة على الممرات البحرية.
5. إدارة أوباما وتغليب ملف الاتفاق النووي الإيراني
في عامي 2014–2015، كانت إدارة أوباما تركّز على إنجاز الاتفاق النووي مع إيران.
وقد رأت واشنطن أن التصعيد ضد الحوثيين – الذراع الإيرانية في اليمن – قد يُعقّد المفاوضات مع طهران، فاتبعت سياسة “غض الطرف”.
6. ضعف الحكومة اليمنية وخيارات واشنطن المحدودة
في عام 2014، كانت حكومة عبد ربه منصور هادي ضعيفة وغير قادرة على الحشد العسكري أو الشعبي.
رأت الولايات المتحدة أن انهيار النظام قادم، فاختارت التكيّف مع الواقع بدلًا من المواجهة.
7. الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية (2015)
في مارس 2015، سحبت الولايات المتحدة قواتها الخاصة من اليمن، مما خلق فراغًا أمنيًا في مواجهة الحوثيين وتنظيم القاعدة.
المراحل اللاحقة: قرارات أمريكية عززت الحوثيين
أ. رفع الحوثيين من لائحة الإرهاب (2021)
في فبراير 2021، قررت إدارة بايدن شطب الحوثيين من قائمة المنظمات الإرهابية، مما سهّل وصولهم إلى التمويل والمساعدات.
ب. الضغط على التحالف العربي لوقف العمليات العسكرية
مارست واشنطن ضغوطًا على السعودية والإمارات لتقليل العمليات، وعلّقت صفقات تسليح مرتبطة بالحرب.
ج. تجاهل الدعم الإيراني للحوثيين
رغم علم الاستخبارات الأمريكية بالدعم الإيراني، فإن ردّ فعل واشنطن كان رمزيًا في الغالب.
د. التركيز على المفاوضات دون ضغط حقيقي
تمسكت واشنطن بخطاب “الحل السياسي الشامل”، لكنها مارست ضغوطًا على الحكومة الشرعية أكثر من الحوثيين.
خلاصة تحليلية:
قد لا تكون الولايات المتحدة قد ساعدت الحوثيين بنية مباشرة، لكن تراكم سياساتها المترددة، وانسحابها التدريجي من الالتزام الكامل بدعم الشرعية، وتقديمها إشارات تضامن إنساني لا تترافق مع موقف حازم من الانقلاب الحوثي، كلّها عوامل صبّت في مصلحة الجماعة.
وقد يُفهم هذا التوجه في سياق أوسع يتمثل في رغبة أمريكية بإعادة ترتيب توازن القوى في الخليج لمصلحة خفض التوتر مع إيران، أو تقليل الانخراط العسكري في المنطقة لصالح نهج دبلوماسي مرن حتى وإن أدّى لنتائج معاكسة على الأرض.