لبنان

هدر مليارات الدولارات… سدود بلا دراسات قرارات عشوائية أم جرائم مقصودة؟

فضيحة سد المسيلحة: فساد بلا حدود ومحاسبة مؤجلة

لم يكن الفشل الذريع لمشروع سد المسيلحة بحاجة إلى تحقيقات قضائية لتأكيده، فالموقع ذاته يفضح حجم الهدر والفساد المستشري. هذه ليست مجرد قضية هندسية فاشلة، بل جريمة ممنهجة بحق المال العام والبيئة، امتدت على مدى أكثر من عقد تحت ستار “استراتيجية وطنية” متهالكة. وزراء الطاقة المتعاقبون أصرّوا على تنفيذ مشاريع سدود دون أي دراسات علمية جدّية، مكبّدين الدولة مليارات الدولارات على مشاريع لم توفر نقطة ماء واحدة، بل كانت بمثابة حفر مفتوحة لابتلاع الأموال.

ورغم سقوط سدود مثل جنة، بقعاتا، بلعة، والمسيلحة في مستنقع الفشل، واصل المسؤولون محاولاتهم لتمرير مشروع سد بسري، الذي كاد ينضم إلى قائمة الكوارث، لولا التصدي الشعبي وضغوط الجمعيات البيئية.

تحقيق قضائي في مأزق المحاسبة

أُحيل ملف سد المسيلحة من النيابة العامة المالية إلى قاضي التحقيق الأول في الشمال، سمرندا نصار، التي بدأت باستدعاء وزراء الطاقة المتعاقبين والشركات المنفّذة والاستشارية، محلية وأجنبية. ولكن يبقى السؤال: هل ستصل التحقيقات إلى رؤوس الفساد الحقيقية، أم أنها ستنتهي كسابقاتها بتمييع القضايا وإفلات الفاسدين من العقاب؟

سدود بلا دراسات: قرارات عشوائية أم جرائم مقصودة؟

منذ عام 2011، بدأ تنفيذ سياسة السدود العشوائية، رغم التحذيرات العلمية الواضحة. بول أبي راشد، رئيس جمعية الأرض-لبنان، أكد أن كل هذه المشاريع افتقدت لدراسات الأثر البيئي، ما يعني أن تنفيذها لم يكن سوى عملية تخريب ممنهجة للموارد، دون أي التزام بالقوانين البيئية. تجاهلت وزارة الطاقة الاعتراضات والمطالبات، وتابعت العمل بصفقات مشبوهة أدت إلى كوارث مالية وبيئية.

تقرير فرنسي مدفون ومخالفات ديوان المحاسبة

المأساة أن كل هذه التحذيرات لم تكن مجهولة. تقرير شركة SAFEGE الفرنسية عام 2011 أكد أن أرض سد المسيلحة غير مناسبة لتخزين المياه، وأن المشروع مكلف وغير مجدٍ، لكن الوزارة تجاهلت التقرير كليًا. كذلك، كشف ديوان المحاسبة مخالفات مالية جسيمة، منها أخطاء في احتساب الضريبة، وتناقضات في الأسعار، وتوصية بإعادة المناقصة بسبب أخطاء جوهرية في التلزيم. ورغم ذلك، مضى الوزراء المتعاقبون بتنفيذ المشروع، في تحدٍ فجّ لكل معايير النزاهة والكفاءة.

متى تُكسر الحصانة السياسية عن الفاسدين؟

هذه السدود لم تكن مجرد مشاريع فاشلة، بل عمليات نهب ممنهج تحت رعاية سياسية، أطاحت بالمال العام ودمرت البيئة. عندما واجه مشروع سد جنة معارضة بيئية وقانونية، أوقفه رئيس الحكومة تمام سلام، لكن القرار السياسي أعاد تشغيله بصفقة بين ميشال عون وسعد الحريري، متجاوزًا كل الدراسات القانونية.

اليوم، يتحرك القضاء في ملف سد المسيلحة، لكن هل سيتوقف عند هذا المشروع وحده، أم سيطال باقي السدود الفاشلة؟ هل سنشهد محاكمات حقيقية تعيد الأموال المنهوبة وتحاسب المسؤولين، أم أن هذه القضية ستلحق بسجل الفضائح التي طُويت دون عقاب؟

اللبنانيون لم يعودوا يثقون بالوعود الفضفاضة، والمحاسبة اليوم ليست مجرد مطلب، بل ضرورة ملحّة لإنقاذ ما تبقى من البلاد. فهل يتجرأ القضاء على كسر حلقة الفساد السياسي أم أننا أمام فصل جديد من الإفلات من العقاب؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى