تحت المجهر

حماقتان غيَّرتا مسار الأحداث في الشرق الأوسط

بعد أحداث 11 سبتمبر، تبنَّت الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل، استراتيجية جديدة للتعامل مع الشرق الأوسط. تمحورت هذه الاستراتيجية حول دعم انتشار النفوذ الإيراني وجماعة الإخوان المسلمين داخل الدول العربية، بهدف إنهاك هذه الدول وتفكيكها من الداخل، مما يضمن إضعاف أي تهديد محتمل للمصالح الغربية والإسرائيلية.

نجاح النظرية في المرحلة الأولى

في البداية، بدت هذه الاستراتيجية ناجحة، إذ توسَّع النفوذ الإيراني والإخواني في عدد من الدول العربية من خلال اختراق المؤسسات السياسية والعسكرية والاجتماعية. في العراق، استغلَّت إيران الغزو الأميركي لإسقاط صدام حسين وفرضت سيطرتها عبر الميليشيات التابعة لها. في اليمن، دعمت طهران الحوثيين، مما أدى إلى اندلاع حرب أهلية طويلة. في ليبيا، استفادت جماعة الإخوان المسلمين من الفوضى التي خلَّفتها الثورات العربية لتعزيز وجودها، بينما أحكم حزب الله قبضته على لبنان. أما غزة، فقد خضعت لحكم حماس، التي ارتبطت بأجندة إيرانية تُبقي الساحة الفلسطينية في حالة انقسام، مما يحول دون تحقيق دولة فلسطينية موحدة.

الاستثناء الأبرز كان مصر، حيث حاول الإخوان السيطرة على الدولة بعد سقوط مبارك، لكن الجيش المصري، بقيادة عبد الفتاح السيسي، تصدَّى لهم وأعاد الاستقرار إلى البلاد، موجِّهاً ضربة قاصمة لمشروع الإخوان المسلمين.

الحماقة الأولى التي هزَّت المشروع الإيراني

رغم نجاح إيران وحلفائها في ترسيخ نفوذهم، ارتكب النظام السوري، الحليف الرئيسي لطهران، خطأً استراتيجياً قلب المعادلة. ففي عام 2005، قرر بشار الأسد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، في خطوة أثارت غضباً داخلياً ودولياً.

كان الحريري شخصية ذات نفوذ واسع ودعم عربي ودولي قوي، واغتياله أشعل الشارع اللبناني، مما أدى إلى اندلاع ثورة 14 آذار، التي أفضت إلى إنهاء الوجود العسكري السوري في لبنان بعد 30 عاماً من السيطرة. شكَّل هذا الانسحاب نكسة كبيرة لمحور إيران، حيث فقدت دمشق ورقة ضغط استراتيجية على الغرب والعالم العربي، مما أضعف النفوذ الإيراني في لبنان مؤقتاً، ولم تستعده إلا بعد سنوات من الاغتيالات والعمليات العسكرية، مثل عملية 7 آب، لإعادة فرض هيمنتها.

الحماقة الثانية: “طوفان الأقصى” والانفجار الإقليمي

أما الحماقة الثانية، فتمثلت في عملية “طوفان الأقصى” التي نفَّذتها حماس في 7 أكتوبر 2023، بدعم مباشر من إيران. بدأت العملية كهجوم مفاجئ ضد إسرائيل، لكنها سرعان ما تحوَّلت إلى أكبر أزمة إقليمية منذ عقود، فاتحةً الباب أمام حرب شاملة في غزة ومواجهات غير مسبوقة على مستوى المنطقة.

نتائج طوفان الأقصى الكارثية على المحور الإيراني

ردَّت إسرائيل بحملة عسكرية مدمِّرة قضت على جزء كبير من البنية التحتية لحماس في غزة.

انجرّ حزب الله إلى مواجهة مباشرة مع إسرائيل، مما أدى إلى استنزاف كبير لقوته العسكرية وإعادة احتلال جزء من الأراضي اللبنانية.

السقوط المدوي لنظام بشار الأسد، الذي كان حليفاً استراتيجياً لطهران ومعبراً أساسياً لإمداد حزب الله في لبنان.

اضطرار إيران إلى موازنة دعمها لحلفائها مع تجنُّب مواجهة مباشرة مع الغرب، مما قيَّد خياراتها الاستراتيجية.

ختامًا: هل ينتهي المشروع الإيراني؟

شكَّل اغتيال الحريري و”طوفان الأقصى” ضربتين موجعتين للمشروع الإيراني: الأولى أنهت النفوذ السوري في لبنان، والثانية دفعت إيران إلى مواجهة غير محسوبة العواقب مع إسرائيل وحلفائها.

لكن، هل يعني ذلك نهاية الطموح الإيراني في الشرق الأوسط؟ أم أن طهران ستجد طرقاً جديدة لإعادة ترتيب أوراقها والمضي قدماً؟ الأيام القادمة وحدها ستكشف الإجابة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى