من هو “أمير إدلب” القادم ؟
مع غموض مصير زعيم تنظيم “هيئة تحرير الشام” الواجهة الحالية لتنظيم “جبهة النصرة” الإرهابي في سوريا، بات البحث في الأسماء المحتملة لخلافته أمرا لازما وفق مناهج تنظيم “القاعدة” الإرهابي العالمي والحركات المتفرعة عنه.
ليس لأمر البحث في أسماء البدائل بالأمر الهين، ففي أعراف التنظيمات الإرهابية القاعدية يتوجب بـ”الأمير” أن يكون مهاجرا، لكن ذلك يتعارض مع التصورات الأمريكية لتدجين “جبهة النصرة” الإرهابي (المحظور في روسيا)على اعتبارها تنظيما سوريا.
الإرهابي أبو محمد الجولاني، سوري الجنسية واسمه الحقيقي، محمد حسين الشرع، وهذا الأمر ساهم كثيرا في دفعه إلى الواجهة في السنوات الأولى للحرب على سوريا على اعتباره سوري الجنسية، فيما أفتى الإرهابي أيمن الظواهري بأهليته لـ”الإمارة” على اعتباره هاجر إلى العراق، قبل أن يعود إلى سوريا.
اليوم سيكون من الصعوبة بمكان تسويق اسم مماثل، الشروط الشرعية تستوجب أن يكون مهاجرا، وهذا ما لا ينطبق على الغالبية المعروفة من الإرهابيين السوريين في التنظيم، إذ أن معظم القيادات البارزة في التنظيم من الجنسية السورية تمت تصفيتهم أو قتلوا في المعارك منذ أن كان تنظيم “جبهة النصرة” الإرهابي يتخفى باسم “الجيش الحر”مطلع الحرب على سوريا.
ثمة العديد من المهاجرين في صفوف التنظيم اليوم، لكن جنسيتهم الأجنبية ستكون محط تحفظ من قبل الدول الغربية الداعمة للتنظيم الإرهابي، لأن السعي الحالي يتلخص في تقديم التنظيم على أنه “معارضة سورية” بعد إعلان انفكاكه عن “حركة الجهاد” العالمي، وهو ما يتهدد مصير عشرات الآلاف من المقاتلين الأجانب في سوريا، وفي مقدمهم نحو 18 ألف مقاتل صيني جاؤوا بعائلاتهم من تركستان الشرقية ومن مناطق أخرى إلى سوريا عبر الأراضي التركية، وبات لهم أعمال وأراض ومستوطنات يصعب اقتلاعهم منها إلا بالقتال، وهو ما أن يتهدد نواة القوة لدى التنظيمات المسيطرة على إدلب.
أبو سليمان التركستاني، (أمير) الحزب الإسلامي التركستاني (الصيني) هو أحد المرشحين لخلافة الجولاني في “إمارة إدلب”… لكن ثمة عوائق كثيرة دون ذلك تبدأ من شكله الذي سيسهم في التذكير دائما بجنسيته الشرق آسيوية كما أن لغته العربية ركيكة جدا بما لا يدع مجالا لقبوله في الأوساط العالمية وسيساهم في التركيز على البعد الإرهابي للقوة في إدلب، وهو ما يجهد الغرب للتعمية عليه من خلال الإبقاء على واجهة سورية في الصف الأول لبعض التنظيمات الإرهابية كما جرى مع الجولاني المصاب.
في الواقع، لم يكن الجولاني شخصا قويا داخل “هيئة تحرير الشام”، اعتمده أيمن الظواهري بتشجيع من دولة قطر كـ”أمير” لبلاد الشام (سوريا لبنان الأردن فلسطين) نظرا لجنسيته السورية التي يمكن تسويقها في (ثورنة) الحرب على سوريا.
ثمة العديد من الشخصيات الأخرى لها وزن أكبر بكثير من الجولان بينها السعودي الجنسية، عبد الله المحيسني(الأمير الشرعي لتنظيم القاعدة في بلاد الشام)، وهنالك أيضا “أبو اليقظان المصري” الذي قدم استقالته قبل نحو الأسبوعين احتجاجا على “ارتماء الجولاني في أحضان الخطط التركية لدمج النصرة في سياق مدني”، ليتم تقديمها كتيار “معارض” سوري كما فعلت تركيا مع “حركة أحرار الشام الإسلامية” التي أسسها الذراع اليمنى وموفد أسامة بن لادن المدعو “أبو فراس السوري” الذي قتل في عام 2013 بظروف غامضة.
ومع ذلك تعتبر “حركة الأحرار” تنظيما معارضا لا “جهاديا” بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا وتركيا.
أبو اليقظان المصري، يعد من الرعيل القديم فيتنظيم “القاعدة” الإرهابي العالمي وله مساهمات كبيرة في حروب الشيشان والبوسنة وأفغانستان والعراق واليمن، كما أنه محبب إلى أيمن الظواهري في أفغانستان، وقد ضاق ذرعا بضعف الجولاني أمام خطط المخابرات التركية التي يرى فيها المصري بداية مؤكدة لترحيل الأجانب من سوريا فيما بعد.
هذه الخلافات التي بقي القسم الأكبر منها طي الكتمان، قد يكون لها علاقة بالتفجيرين اللذين استهدفا الجولاني قبل أيام في إدلب، فهذه المحافظة ممسوكة بشكل كامل ويتحكم تنظيم “القاعدة” في أدق تفاصيل حياتها، ما يؤشر إلى أن عملية اغتيال الجولاني داخلية وقد يكون أبو اليقظان أحد المشاركين فيها، أو لربما قام آخرون بذلك مستفيدين من ظهور بعض الخلاف للعلن بين الطرفين، فالتقط الفرصة السانحة لتوجيه الاتهام إلى أبو اليقظان.
بطبيعة الحال، فأبو يقظان المصري هو الآخر سيكون خارج معادلة “أمير إدلب”، ليس جنسيته فحسب من يحول دون ذلك، بل أيضا تاريخه الإرهابي الطويل المتنقل بين القارات الثلاث أوروبا وإفريقيا وآسيا.
وما يسري على أبو اليقظان يسرى بشكل أشد على مرشحين آخرين في “هيئة تحرير الشام” الإرهابية، بما فيهم “الأمير العام” لتنظيم “التوحيد والجهاد” الإرهابي “أبو صلاح الأوزبك” بالإضافة إلى “أبو عمر التركستاني” الذي يقود تنظيما للمقاتلين الصينيين يدعى “الحزب التركستاني الإسلامي” ويتخذ من مدينة جسر الشغور جنوب غرب إدلب مقرا لإمارته.
ما يسري على “أبو صلاح الأوزبك” و”أبو عمر التركستاني”، يسري أيضا على “أبو محمد الداغستاني” أمير تنظيم “المهاجرين والأنصار”، وأبو قتادة الألباني “أمير الألبان” إلى جانب أمراء أقل شأنا يقودون تنظيمات لإرهابيي “جزر المالديف” و”المهاجرون السنة” و”رابطة المعالي” و”بلاد الحرمين”.
بعد هؤلاء يأتي متزعمو التنظيم الأكثر حضورا في “المنطقة منزوعة السلاح” جنوب إدلب وشمال حماة تحت مسمى “حراس الدين”، ولكن هذا التنظيم مبايع لأيمن الظواهري علنا، ما يقلل من حظوظ أي من قادته الأردنيين والسعوديين في حصول أي منهم على منصب (أمير إدلب).
هؤلاء ووفق مصادر إعلامية معارضة، وصلت سيطرة “النصرة” و”التنظيمات الجهادية”، لنحو 80 بالمئة من المناطق الخارجة عن سيطرة الجيش السوري بمساحة نحو 7200 كم مربع، من أصل نحو 8937 كلم مربع، بنسبة نحو 4. 8 بالمئة من مساحة الأراضي السورية كانت تسيطر عليها التنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة في إدلب وأرياف حماة وحلب واللاذقية.
قبل نحو أسبوعين وبعد يوم على استقالة القيادي الإرهابي “أبو اليقظان المصري” نتيجة الخلافات بين قيادات التنظيم، أعلن القيادي البارز في “هيئة تحرير الشام” الواجهة الجديدة لتنظيم “جبهة النصرة” الإرهابي المدعو “أبو مالك التلي”، بقاءه في “الهيئة” بعد تخبط وصراع عاشه مع ذاته.
ونقلت مواقع إلكترونية معارضة عن المدعو جمال زينية الملقب بـ”أبي مالك التلي” قوله عبر قناته الرسمية في “تلغرام” بأنه مر بأيام عصيبات وهو يعيش في صراع، ولا يعلم ما هو الخير له في مسألة خروجه من “هيئة تحرير الشام” أو بقائه فيها.
وذكر نشطاء مقربون من “تحرير الشام” وفق ما نقلت وسائل إعلامية معارضة أول من أمس، أن “رئيس المجلس الشرعي لتحرير الشام قدم ادعاء ضد أبي اليقظان نتيجة عدم التزامه بالضوابط الإعلامية”، لافتين إلى أن الاستقالة جاءت على خلفية “إدانته وإنذاره”. وتأتي تصريحات التلي، بالترافق مع التوتر بين “تحرير الشام” وتنظيم “حراس الدين” المرتبط بتنظيم “القاعدة” الإرهابي.
ويعتبر “أبو اليقظان” من أبرز الشرعيين في “تحرير الشام”، وله فتاوى، منها حث مسلحي “الهيئة” على استهداف مسلحي ميليشيا “حركة أحرار الشام الإسلامية” برصاصة بالرأس، وتحريم مشاركة مسلحي ميليشيا “الجيش الحر” بالعملية العسكرية التركية شرق نهر الفرات، ضد “وحدات حماية الشعب” الكردية.
ورجحت مصادر إعلامية معارضة، أن يكون متزعم الهيئة، أبو محمد الجولاني، الذي أيد عدوانا تركيا ضد شرق الفرات هو الذي رتب لهذه الاستقالة، خصوصا بعد التضارب بين تصريحاته، وتصريحات المصري حول طريقة التعامل مع الجيش التركي في ظل التطورات الأخيرة.
يأتي ذلك، في الوقت الذي أعلنت فيه تركيا عن استعدادها للتعاون مع روسيا في سبيل تنفيذ عملية عسكرية ضد “تحرير الشام”، وفي الوقت نفسه الذي وقفت تركيا موقف المتفرج من هجوم “تحرير الشام” وسيطرتها على كامل محافظة إدلب، بحسب المصادر.
والمصري هو من قاد الاقتتال الأخير بين “تحرير الشام” وميليشيا “الجبهة الوطنية للتحرير”، الذي اندلع مطلع العام الجاري.
ويبقى حاضرا الإرهابي “حمزة بن لادن”، نجل أسامة بن لادن، للاستفادة من كون أمه سورية الجنسية وتتحدر من مدينة اللاذقية، ولكن جنسيته سعودية ويصعب تمرير هذا الأمر.
أما أبو مالك التللي، فهو مقرب من الظواهري، وكان “أمير القلمون” وسط سوريا، وقد يلجأ الأجانب إلى تنصيبه “أميرا صوريا” عليهم على غرار الجولاني، ولربما هو أكثر المرشحين حظا.