أزمة كهرباء لبنان: قراءة في دور المناقصات ومواقف رئيس هيئة الشراء العام جان العلية
بقلم تادي عواد –
تُعد أزمة الكهرباء في لبنان إحدى أبرز المعضلات التي تواجه البلاد منذ عقود، حيث تتداخل عوامل الفساد، سوء الإدارة، والسياسات غير الفعّالة في تعقيد هذا الملف. في خضم هذه الأزمة، ظهر رئيس هيئة الشراء العام، جان العلية، كأحد الأصوات المنتقدة بشدة للنهج المعتمد في إدارة قطاع الكهرباء، مسلطًا الضوء على مخالفات المناقصات وداعيًا إلى إصلاحات جذرية تتجاوز المعالجات السطحية.
المشكلة الأساسية: الفساد وإدارة المناقصات
تتمحور الأزمة حول سوء إدارة المناقصات المتعلقة بإنتاج الطاقة، وشراء الفيول، وعدم الالتزام بقوانين الشراء العام. أشار جان العلية في العديد من تصريحاته إلى أن بعض المناقصات تمّت دون رصد الاعتمادات اللازمة، مما يشكّل خرقًا واضحًا للقوانين اللبنانية. كما انتقد العلية اعتماد وزارة الطاقة سياسات تُعمّق الفجوة بين الحاجة إلى الطاقة وتوافرها، مؤكدًا أن المعالجات الحالية تتعامل مع الأعراض بدل معالجة جوهر المشكلة.
على سبيل المثال، كشف العلية عن صفقات بواخر إنتاج الكهرباء التي وصفها بأنها مليئة بالمخالفات القانونية والإدارية، حيث تم اعتماد صفقات مكلفة وغير مستدامة بدل البحث عن حلول توفر الطاقة بتكاليف أقل وتضمن استمراريتها على المدى الطويل.
قانون الشراء العام: رافعة للإصلاح
مع دخول قانون الشراء العام حيّز التنفيذ في لبنان، شدّد العلية على ضرورة الالتزام بأحكامه كشرط أساسي لإصلاح قطاع الكهرباء. يهدف هذا القانون إلى تعزيز الشفافية والمنافسة ومنع الاحتكار في المناقصات العامة. في هذا السياق، دعا العلية المؤسسات المرتبطة بوزارة الطاقة إلى الالتزام الكامل بهذا القانون، مشيرًا إلى أن كسر الاحتكار في شراء الفيول وإجراء مناقصات حقيقية بشروط شفافة يمكن أن يكون نقطة تحوّل حاسمة.
مبادرات مقترحة: حلول طويلة الأمد
قدم العلية مقترحًا بدعم من خبراء الاتحاد الأوروبي يتضمن إنشاء بنى تحتية متطورة لتوليد الطاقة بقدرة إنتاجية لا تقل عن 1800 ميغاواط، بتكلفة أقل بمليار دولار مقارنة بالخيارات الحالية. إلا أن هذا المقترح لم يجد الدعم السياسي اللازم لتطبيقه، ما يعكس حجم التحديات السياسية والمؤسسية التي تواجه أي مبادرة إصلاحية.
انتقادات لنهج وزارة الطاقة
في سجال علني مع وزيرة الطاقة السابقة، ندى البستاني، تساءل العلية عن سبب عدم تنفيذ حلول مستدامة رغم توافر خطط جاهزة ومدروسة. وردًا على اتهامات البستاني بشأن إجراء مناقصات دون اعتمادات، أكد العلية أن إصراره على تطبيق القانون ومواجهة الفساد قوبل بمعارضة من المسؤولين الذين فضلوا السير في صفقات مشبوهة.
رؤية شاملة لإصلاح قطاع الكهرباء
يمكن تلخيص رؤية العلية لإصلاح قطاع الكهرباء عبر النقاط التالية:
الالتزام بقانون الشراء العام: لضمان الشفافية والحد من الصفقات المشبوهة.
كسر الاحتكار: من خلال فتح السوق أمام المنافسة الحقيقية، خصوصًا في شراء الفيول.
اعتماد حلول مستدامة: كالاستثمار في مصادر طاقة متجددة ومشاريع إنتاج طاقة طويلة الأمد.
مراجعة العقود القديمة: لتحديد مدى التزامها بالقوانين ومدى جدواها الاقتصادية.
إبعاد السياسة عن قطاع الكهرباء: لضمان اتخاذ قرارات قائمة على الكفاءة والمصلحة العامة.
تحديات الإصلاح: عوائق سياسية وهيكلية
رغم وضوح الرؤية التي يقدمها العلية، فإن التحديات التي تواجه الإصلاح عميقة ومتعددة الأبعاد. أبرزها:
التسييس المفرط للقطاع: حيث أصبحت الكهرباء وسيلة لتحقيق مكاسب سياسية.
غياب الإرادة السياسية: لتنفيذ الإصلاحات الجذرية.
الفساد المتجذر: الذي يجعل أي محاولة لتطبيق الشفافية تواجه مقاومة شرسة.
خاتمة
يمثل ملف الكهرباء في لبنان نموذجًا حيًا للتحديات التي تواجه الدول في إدارة مواردها العامة. تصريحات جان العلية ومواقفه الشجاعة تسلط الضوء على أهمية الالتزام بالقوانين كخطوة أولى نحو الإصلاح. ومع ذلك، فإن تحقيق تقدم ملموس في هذا الملف يتطلب إرادة سياسية، ووعيًا مجتمعيًا، ودعمًا دوليًا لضمان كسر دائرة الفساد وتحقيق استدامة الطاقة في لبنان.