لبنان

بين إرث الماضي وتحديات الحاضر: هل تكون عودته فرصة للإصلاح؟

بقلم تادي عواد –

تشير تقارير قريبة من تيار المستقبل إلى احتمال عودة رئيسه، سعد الحريري، إلى الساحة السياسية اللبنانية، بعد غياب أثار جدلًا واسعًا حول دوره المستقبلي. فهل يستطيع الحريري استعادة إرث والده السياسي، أم أن التحديات الراهنة ستعرقل طريقه؟

الإرث السياسي والتحديات

سعد الحريري ليس مجرد زعيم سياسي؛ فهو الوريث السياسي لرئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، الذي لعب دورًا رئيسيًا في إعادة إعمار لبنان بعد الحرب الأهلية. إلا أن هذا الإرث السياسي تحول مع الوقت إلى عبء ثقيل، حيث واجه الحريري جملة من التحديات التي أضعفت دوره:

الضغوط الإقليمية والدولية:

حاول الحريري دائمًا أن يكون وسيطًا بين القوى الإقليمية المتناقضة، لا سيما بين المملكة العربية السعودية وإيران. إلا أن هذا التوازن غالبًا ما كلفه الكثير من شعبيته، وجعل مواقفه عرضة للنقد.

الصراعات الداخلية:

لم تكن علاقته مع القوى المحلية، خاصة حزب الله وحلفائه، خالية من التوتر. فعلى الرغم من التفاهمات التي عقدها مع الحزب، إلا أنها أثارت استياء الكثير من أنصاره.

التحديات الاقتصادية:

فشل الحكومات التي شارك فيها تيار المستقبل في تقديم حلول حقيقية للأزمة الاقتصادية كان أحد أبرز الانتقادات الموجهة له. فالأزمة المالية، التي تُعتبر الأخطر في تاريخ لبنان الحديث، أضعفت ثقة الشارع بقيادته.

الانتقادات والمآخذ

تعرّض سعد الحريري لانتقادات من مختلف الأطراف، سواء من خصومه أو حتى من داخل تياره. ومن أبرز هذه الانتقادات:

التسويات السياسية:

رأى كثيرون أن التفاهمات التي عقدها مع حزب الله والنظامين السوري والإيراني جاءت على حساب مبادئ تيار المستقبل، وأسهمت في ترسيخ نظام المحاصصة الطائفية الذي أدى إلى انهيار مؤسسات الدولة.

ضعف الحسم السياسي:

غيابه عن اتخاذ مواقف قوية في لحظات مفصلية، مثل احتجاجات 17 تشرين الأول 2019، ترك الساحة مفتوحة أمام خصومه وأفقده جزءًا كبيرًا من شعبيته.

سيناريوهات العودة المحتملة

1. السيناريو الإيجابي:

إذا عاد سعد الحريري برؤية جديدة تُركز على الإصلاحات الحقيقية، فقد يكون لعودته أثر إيجابي. يشمل ذلك:

إعادة بناء الثقة الشعبية: عبر طرح سياسات اقتصادية واقعية تُعالج الأزمة المالية.

توحيد القوى السياسية: عبر تحسين العلاقات مع حلفائه التقليديين، مثل القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي.

تعزيز العلاقات الإقليمية: بإصلاح العلاقة مع السعودية ودول الخليج التي كانت تاريخيًا داعمًا رئيسيًا له.

2. السيناريو السلبي:

إذا استمر الحريري في النهج السابق، المعتمد على التسويات والمحاصصات الطائفية، فإن عودته قد تُسهم في تعميق الأزمة. فالتوازنات الحالية أثبتت فشلها في إدارة شؤون الدولة، واستمرارها يعني مزيدًا من التدهور السياسي والاقتصادي.

الدور الإقليمي والدولي

أي عودة للحريري لن تكون بمعزل عن دعم القوى الإقليمية والدولية. تاريخيًا، كان للمملكة العربية السعودية ودول الخليج دور رئيسي في دعم الحريري سياسيًا واقتصاديًا. إلا أن التوترات التي شابت علاقته مع القيادة السعودية في السنوات الأخيرة تثير تساؤلات حول مدى قدرتها على إعادة دعمه.

المخاطر والتحديات

عودة الحريري إلى الساحة السياسية محفوفة بالمخاطر إذا لم تترافق مع رؤية واضحة. وتشمل أبرز التحديات:

غياب الرؤية الاستراتيجية:

العودة دون خطة إصلاحية شاملة قد تُفاقم حالة التشرذم داخل تيار المستقبل والطائفة السنية.

تدهور الاقتصاد:

عدم القدرة على طرح حلول عملية للأزمة الاقتصادية سيُفقده الدعم الشعبي ويزيد من تعقيدات المشهد السياسي.

التأثيرات الإقليمية:

أي عودة بلا غطاء إقليمي قوي، خصوصًا من السعودية، قد تجعل من الصعب عليه استعادة دوره كلاعب رئيسي.

الخلاصة

تشكل عودة سعد الحريري إلى الساحة السياسية فرصة لإعادة تشكيل المشهد اللبناني، لكنها ليست مضمونة النجاح. يعتمد الأمر على قدرة الحريري على تجاوز أخطاء الماضي، واعتماد رؤية إصلاحية حقيقية تُعالج الأزمات الهيكلية التي تواجه لبنان. في غياب ذلك، قد تكون هذه العودة مجرد إعادة إنتاج للفشل السياسي الذي أسهم في انهيار الدولة.

على الحريري أن يدرك أن المرحلة الراهنة تتطلب قيادة شجاعة ومستقلة، قادرة على كسر القيود الطائفية والإقليمية، ووضع لبنان على مسار جديد بعيد عن سياسات المحاصصة والتسويات المؤقتة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى