إلى صانع الوطن بقلم عمر سعيد
من يصنع الوطن يعيد للناس أعمارهم. وينشر إيمانه سماءً؛ تمطر الحب بغير حساب.
إنه ستر المتعبين، وأقلام تلوين بين أصابع الطفولة. تلون فراشة وزهرة وزرقة سماء. وقرص شمس، يمنح الحقل جماله.
هو حارس المدينة الذي لا ينام إلا إذا امتلأت شوارعها برائحة القهوة، والفاكهة والخضار في خواصر الأحياء. وقد ضجت فراغاتها بضحك الوجوه المستبشرة بالرزق والـ غدًا.
من يصنع الوطن ككفي أمّي التي كانت تسهر الليالي. تعجن طحين الحب، وتَلُوح أرغفة الخير فوق ذراعيها، التي تلامس الله كلما امتدت صوب السماء.
من يصنع الوطن كأبي الذي كان يترك لنا الزاد، ويكتفي بالخبز والزيتون والبصل، ويدعي الشبع في أشد لحظات الجوع والتعب.
من يصنع الوطن لا شيء عنده يقدّمه للناس أثمن من فرص. تمكّنهم من أن يكونوا في أرضهم ودورهم وأحيائهم حقيقة تحارب الفتن.
من يصنع الوطن يصنع السلام والأيام والأحلام والآمال، ويرفع البيوت، ويطلق الزمن.
من يصنع الوطن ليس كمن يصنع الموت ويسقط المباني، ويسرق الرغيف، ويكشف الغطاء، ويقطع الطريق، ويحرم النوم، وينشر البكاء، ويصنع المحن.
من يصنع الوطن يدرك معنى أن يكون لبابك مفتاح، وبردك نار، وجوعك طعام، ودلوك ماء، وجرحك دواء، وموتك كفن.
من يصنع الوطن ما غادر الوطن، ولا خانه الوطن، ولا انتقى لبيته حرّاسه من خارج الوطن.
من يصنع الوطن ما أجاب مرّة على أسئلة بغير: إننا نريده وطن.
من يصنع الوطن صار البداية والنهاية. صار القرية والمدينة والحكاية والوطن.
نعم. كلّفته الدرب كثيرًا، وكثيرًا جدًا؛ لكنه ما ساوم مرة، ولا استكثر أن يدفع الثمن.
عمر سعيد