لبنان

ضرورة تعديل قانون انتخابات رئاسة الجمهورية في لبنان

بقلم تادي عواد –

شهد تاريخ لبنان السياسي العديد من الأزمات المتعلقة بانتخاب رئيس الجمهورية، حيث تعمدت بعض الكتل النيابية في عدة مناسبات تعطيل هذا الاستحقاق الدستوري عبر الغياب المتكرر عن الجلسات أو الامتناع عن تأمين النصاب القانوني اللازم لانعقادها. وقد أدى هذا التواطؤ إلى حالات متكررة من الفراغ في موقع الرئاسة، مما ترك البلاد عرضة لأزمات سياسية ودستورية خطيرة، واستغلت بعض القوى السياسية هذا الفراغ لتمرير أجنداتها الخاصة عبر قوانين أُقرت تحت مسمى “تشريع الضرورة”، وهو أمر يتعارض مع المبادئ الدستورية وروح الميثاق الوطني الذي يضمن العيش المشترك بين مختلف الطوائف اللبنانية.

الخلل في القانون الحالي وآثاره

القانون الحالي الذي ينظم عملية انتخاب رئيس الجمهورية يعاني من ثغرات أساسية، أبرزها غياب أي إلزام للنواب بحضور جلسات الانتخاب أو التزامهم بمهل زمنية محددة لإنجاز هذا الاستحقاق. هذه الثغرات سمحت لبعض القوى السياسية باستخدام سياسة التعطيل كأداة تفاوضية لفرض مرشحين معينين أو لابتزاز الأطراف الأخرى. وبالنظر إلى أن رئيس الجمهورية هو رمز وحدة البلاد وضامن استقرارها السياسي، فإن استمرار هذا النهج يهدد بتقويض المؤسسات الدستورية ويضعف ثقة المواطنين بالدولة ونظامها الديمقراطي.

مقترح قانون جديد لضمان الاستحقاق الرئاسي

لتصحيح هذا الخلل الدستوري والسياسي، ينبغي إقرار قانون جديد ينظم انتخاب رئيس الجمهورية وفق الشروط التالية:

1. علنية التصويت:
تحويل عملية انتخاب الرئيس من تصويت سري إلى تصويت علني يضمن الشفافية والمساءلة أمام الرأي العام. فمن حق الشعب أن يعرف موقف كل نائب من هذا الاستحقاق الوطني.

2. مهلة زمنية محددة:
إعطاء مهلة شهر كحد أقصى لمجلس النواب لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، تبدأ من تاريخ انتهاء ولاية الرئيس السابق. وفي حال عدم انتخاب رئيس خلال هذه المهلة، يُعتبر مجلس النواب مستقيلاً تلقائياً، وتجرى انتخابات نيابية جديدة خلال فترة محددة.

3. المساءلة الشعبية:
تحميل كل نائب مسؤولية حضوره أو غيابه عن جلسات الانتخاب بشكل علني، بما يتيح للشعب محاسبة من يتسببون في تعطيل هذا الاستحقاق الدستوري.

أهمية الإصلاح للحفاظ على العيش المشترك

يُعد هذا الإصلاح ضروريًا لضمان احترام الدستور وتحصين مبدأ العيش المشترك بين اللبنانيين. فتعطيل انتخاب رئيس الجمهورية لا يمس فقط استقرار النظام السياسي، بل يفتح الباب أمام أزمات متكررة تهدد وحدة البلاد ومصالح مواطنيها. إن فرض الالتزام النيابي بانتخاب الرئيس ضمن مهلة زمنية محددة سيضع حدًا لممارسات التعطيل ويعيد الثقة إلى المؤسسات الدستورية، مما يسهم في استقرار لبنان السياسي والاجتماعي.

الخاتمة

إن تعديل قانون انتخابات رئاسة الجمهورية في لبنان لم يعد مجرد خيار، بل هو ضرورة تفرضها التجارب المتكررة من التعطيل والشغور الرئاسي. يجب على القوى السياسية والنواب تحمل مسؤولياتهم التاريخية تجاه الوطن من خلال إقرار قانون جديد يضمن انتخاب رئيس الجمهورية ضمن أطر واضحة ومحددة، ويحول دون استغلال الفراغ لتحقيق مصالح ضيقة على حساب مصلحة البلاد العليا. فلبنان يحتاج اليوم إلى مؤسسات قوية وديمقراطية شفافة قادرة على تجاوز الأزمات وتحقيق استقراره المنشود.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى