اخبار العالم

كيف تقرأ القوى الإقليمية تحولات المشهد السوري؟

بقلم تادي عواد

لقد ترك سقوط الأسد القوى الإقليمية مثل تركيا وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تتسابق لإعادة تعريف أدوارها في سوريا، وتتنافس على كسب تأييد الحكومة المؤقتة، وإحياء التنافسات القديمة، والتفكير في العواقب غير المقصودة لتدخلاتها السابقة التي أدت إلى تدمير سوريا.

كيف سيكون شكل الحكم في سوريا؟

لا يزال المشهد السوري غير واضح المعالم، وإن كان صنّاع القرار الجدد فيه، يحاولون فتح صفحة جديدة، عنوانها الأبرز “تصفير المشاكل” والانفتاح على الجميع، وتأجيل البتّ في ملفات مصيرية، إلا أن ترتيب البيت السوري الذي يتشارك في صياغته الراعي القطري والحليف الأميركي، لا يزال يسير في حقل من الألغام، نظرًا لأهمية المرحلة التي ستحدد مستقبل البلاد وتحالفاتها. أمام هذا المشهد، كيف تنظر دول بارزة في المنطقة لهذه التحولات؟ وأي موقف ستتخذه من مستقبل الحكم في سوريا؟

مفاجأة كانت سرعة سقوط المحافظات واحدة تلو الأخرى، بيد الجماعات المسلحة المنضوية تحت لواء أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، الخالع حديثًا لعباءة الإرهاب والملتحف برداء الحداثة. على أن الدول الخارجة من قطيعة دامت 13 عامًا مع نظام الرئيس السابق بشار الأسد، لم تستشرف سقوطه، ولذا كان موقفها الأول، التمسك بوحدة البلاد بقيادة الحكومة السابقة، ورئيسها. لكنّ ما حمله تاريخ 8 كانون أول/ديسمبر 2024، شكّل صدمة للخارج قبل الداخل، فكان لزامًا على هذه الدول إعادة النظر في قراءتها لتحولات المشهد السوري.

مراجعة للمصالحة

هل سارعت الدول الخليجية والعربية في المصالحة مع نظام الأسد؟ سؤال طرح نفسه مع سيطرة “المعارضة” على دمشق وفرار الأسد لموسكو.

لم تكن المصالحة الخليجية، وتحديدًا السعودية – الإماراتية مع سوريا، قد تجاوز عمرها الرسمي العام ونصف العام، قبل أن تجد هذه الدول نفسها مضطرة لاستدارة سريعة نحو القيادة الجديدة في البلاد. فبعد المواقف التي حملت التأكيد على الوقوف خلف “سوريا الأسد”، سارعت الدولتان الخليجيتان إلى تبديل مواقفهما بما يتناسب مع المرحلة المستجدّة. فبعد ساعات قليلة من سقوط النظام، أصدرت السعودية بيانًا أعربت فيه عن “ارتياحها للخطوات الإيجابية التي تم اتخاذها لتأمين سلامة الشعب السوري الشقيق وحقن الدماء والحفاظ على مؤسسات الدولة السورية ومقدراتها”، مؤكدة الوقوف إلى جانب الشعب السوري وخياراته في هذه المرحلة المفصلية. بدورها دعت الإمارات، كافة الأطراف السورية إلى تغليب الحكمة للخروج منها بما يلبي طموحات وتطلعات السوريين بكافة أطيافهم. أما مصر، أكبر المتضررين من هذه التطورات، فدعت إلى تغليب المصلحة العليا من خلال توحيد الأهداف والأولويات وبدء عملية سياسية متكاملة وشاملة تؤسس لمرحلة جديدة من التوافق والسلام الداخلي.

بالتزامن مع هذه الاستدارة، بدّلت وسائل إعلام هذه الدول من روايتها للأحداث. فبعدما كانت قد تبنّت رواية النظام وبيانات قواته المسلحة في التصدي في التصدي للفصائل المسلحة التي ربطتها بالإرهاب، تغيّر الموقف بشكل كامل بعد بدء سقوط المحافظات تباعًا، ليتم الترويج لأخبار تقدم “المعارضة” وسقوط النظام الذي “تم انتظاره طويلًا”.

خوف من مستقبل سوريا

كيف سيكون شكل الحكم في سوريا؟ وما مصير الفصائل المسلحة التي للبعض منها باع طويل في الإرهاب؟ وأي مصير ينتظر الموالين للنظام السابق والأقليات؟ أسئلة كثيرة أثارت المخاوف بانتظار وضوح المشهد الداخلي الذي سيحمل انعكاسات مباشرة على المحيط والإقليم.

بالنسبة للسعودية، كان سقوط النظام ضربة مدوية لحسابات القيادة في المملكة، إذ وضعها في موقف محرج، بعدما كانت قد سارت باتجاه المصالحة مع الأسد، بعد سنوات طويلة من الاستثمار في الأزمة السورية. على أن التحول كان ضروريًا، لمحاولة لملمة المشهد، فكان القرار بإرسال وفد سعودي لدمشق للقاء الشرع.

أما الإمارات، التي تنظر بعين الريبة إلى التوجهات الإسلامية للقيادة الجديدة، والسبّاقة كانت للمصالحة مع الأسد، فلم تتأخر بدورها في الاتصال بالقيادة الجديدة وبحث مستقبل العلاقات معها.

أما مصر، المتخوفة على تأثير الأحداث على واقعها السياسي المهتزّ، فلم تنضم إلى الوفود الزائرة لدمشق، وظلت غائبة عن المشهد، مكتفية بتفعيل مروحة من الاتصالات مع أطراف عدة في المنطقة.

الأردن، التي تتشارك المخاوف مع القاهرة في تداعيات الحدث، سارعت في 14 كانون أول/ديسمبر 2024 إلى عقد اجتماع لأعضاء “لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا” بمشاركة الأردن والسعودية والعراق ولبنان ومصر، وحضور الإمارات والبحرين وقطر. وقد جرى الاتفاق على “أهمية دعم عملية انتقالية سلمية شاملة في سوريا تحت رعاية الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، وفقاً لمبادئ قرار مجلس الأمن رقم 2254 وأهدافه وآلياته”، مع التأكيد على ضرورة تعزيز جهود مكافحة الإرهاب والتعاون في محاربته، نظراً لأنه يمثل تهديداً لسوريا ولأمن المنطقة والعالم.

أجندات متباينة

حول ما فرضه المشهد السوري، يرى مدير مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير، هادي قبيسي، أن “السعودية تحاول أن يكون لها دور في سوريا لكونه كان لها دور في الحرب السورية ولديها نفوذ وهابي، ونفوذ مشايخ، وقوى متطرفة، وبعض القوى العسكرية، وبالتالي هي تسعى للحصول على حصة من النجاح التركي، حتى لا يكون التركي هو المستحوذ على الفرصة السورية بكاملها. وهي تريد أن تكون شريكة أيضًا في ترتيب الوضع السوري على المستوى الاقتصادي والسياسي، بحيث لا يكون هذا الإنجاز وهذه البيئة السورية منصة لإثارة مشكلات تؤثر على السعودية وخصوصًا في الأردن”.

أما الإمارات، فيرى قبيسي أنها “تنظر إلى ما حصل على أنه إنجاز تركي وقطري، وتعتبر أنه لا ينبغي أن يستمر هذا الإنجاز وتميل إلى إضعافه وتخريبه. ولأنه لديها نفوذ في البيئة الكردية ولم يكن لها نفوذ في بيئة المعارضة خلال الحرب السابقة، ستحاول جعل تشييد هذا البناء الجديد أكثر صعوبة وتعقيدًا”.

وبالنسبة لمصر يقول الباحث والكاتب السياسي إنها “ترى في هذا المناخ، الذي يلبس اللبوس الإسلامي شكليًا إلى حد كبير، عاملًا مؤثرًا على الإخوان وخصوصًا أنها تمر في حالة ضعف كبيرة على المستوى الاقتصادي والسياسي الداخلي، وتخشى انتقال عدوى سلوكية من سوريا إلى مصر”. ويضيف أن مشاريع التمدد التركية القطرية قد تدعم هذا المزاج في مصر نظرًا لوجود بيئة مهيئة نسبيًا، وبالتالي ستسعى مصر أن يبقى الإنجاز السوري محصورًا داخل الإطار السوري، وإن لم يكن ذلك، فستكون شريكة مع الإمارات في منع نجاح المسار القائم.

مستقبل سوريا وتحالفاتها

من يحدد مستقبل سوريا؟ وأي تأثير للخارج في ذلك؟

لا شك المشهد الداخلي بتعقيداته المحلية، سيكون له آثاره على صياغة المشهد الأكبر محليًا وإقليميًا وحتى دوليًا. يمكن القول إن هناك إجماع عام على المصلحة في “سوريا موحدة ومستقرة”، ودعم بناء دولة قابلة للحياة والاستمرار. ولأن البنية التحتية للمشروع الجديد ليست مهيئة بعد على كامل مساحة الأراضي السورية، فإن العامل الداخلي سيفرض نفسه على تعقيدات المشهد. وسيكون لتفكك النسيج الاجتماعي وتنازع الانتماءات السياسية دورها في التأثير على شكل الحكم المقبل وتوجهاته.

لكن للتدخل الخارجي دوره، وكذلك لملفات ساخنة مؤجلة. فهل تسمح تركيا لنفوذ دول خارجية في الباحة السورية التي لم تشارك في إدارة الانقلاب؟ وأي تأثير للمسألة الكردية في هذه المرحلة؟

يرى قبيسي أن إدارة الجولاني تتمتع بمرونة عالية ومحاولة تدوير الزوايا بكفاءة معقولة حتى الآن، وهو يحاول على مستوى العلاقات الخارجية الذهاب باتجاه تصفير المشاكل، وإدارة توازن مع الدول المختلفة التي لها نفوذ في سوريا كي لا تتحول إلى ساحة صراع. ويشير إلى أن “التأثير على تحالفات المنطقة متعلق بالاتجاه الشمالي (تركيا وقطر) والجنوبي (الإمارات والسعودية والأردن) مع تناقض المصالح بين هذه التكتلات، وهو ما قد يؤدي إلى صراع بينهما على الأرض السوري وينعكس في صراع مع الأكراد أو باتجاهات أخرى”.

وبالتالي فإن العوامل التي ستحدد مستقبل البلاد هي:

1.   مدى رضا الدول على الحصة التي ستأخذها في سوريا على مستوى تقاسم الحصص والنفوذ والمكتسبات.

2.   مدى اطمئنانها إلى مستقبل سوريا.

3.   ما يمكن أن يتمخض من شراكة بين هذه الدول (قطر، تركيا، الأردن، السعودية، والإمارات)، بحيث تصبح تنظر إلى استقرار سوريا كمصلحة ذاتية لها.

بين الانتشاء التركي القطري بنجاح الانقلاب على الحكم في سوريا، والمخاوف السعودية الإماراتية المصرية والأردنية من إعادة الحياة لمشروع الإخوان في المنطقة وتداعياته على داخلها، لا يزال من المبكر الاطمئنان على أن العملية السياسية في سوريا تمضي في مسارها الصحيح. اختلاف الرؤى الداخلية وتباين المصالح الخارجية، سيكون لهما تأثير مباشر على صياغة مستقبل الحكم. لكن الثابت حتى اليوم، دعم أغلبية الأطراف لعملية انتقالية تمنع خروج شبح الإرهاب من قمقمه وإعادة النفوذ لقوى تحمل مشاريع قد تهدد أمن دول الإقليم كافة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى