لبنان

قراءة في تأثير الحالة العونية على المسيحيين والمشروع اللبناني

بقلم تادي عواد

منذ تأسيس دولة لبنان الكبير عام 1920، كان الهدف الأساسي للمشروع اللبناني هو بناء دولة مستقلة ذات سيادة تقوم على الدستور وحكم القانون، وتحافظ على التنوع والوحدة بين مكوناتها. ومع ذلك، فشل هذا المشروع في تحقيق أهدافه، مما أضعف المؤسسات اللبنانية وأثر بشكل كبير على المكونات الأساسية للمجتمع، خصوصاً المسيحيين الذين وجدوا أنفسهم في موقع الدفاع عن وجودهم.

في هذا السياق، برزت الحالة العونية كإحدى الظواهر السياسية التي ساهمت في تفاقم أزمة المسيحيين، بدلاً من تقديم حلول فعلية لهم. فقد اتسمت هذه الحالة بممارسات وسياسات ألحقت أضراراً عميقة بالمسيحيين على المستويين الاجتماعي والسياسي، ووضعتهم في مواجهة مع ذاتهم ومع الآخرين.

ضرر الحالة العونية على المسيحيين والمجتمع اللبناني

1. تعميق الانقسامات داخل المجتمع المسيحي

منذ نشأتها، رفعت الحالة العونية شعارات براقة مثل “استرجاع حقوق المسيحيين” و”السيادة والاستقلال”، لكنها استغلت هذه الشعارات لإدخال العنف والانقسام إلى كل بيت مسيحي. تجسدت هذه الانقسامات في حرب الإلغاء التي استهدفت الأحزاب المسيحية، والبطريركية المارونية ممثلة بالبطريرك نصر الله صفير، وكل رمز من رموز المسيحيين السياسية والدينية.

2. الخضوع للاحتلالات والتفريط في السيادة

على الرغم من رفعها شعار السيادة، تحولت الحالة العونية إلى أداة خاضعة للاحتلال السوري أولاً، ثم إلى شريك استراتيجي للاحتلال الإيراني عبر الحرس الثوري وحزب الله. لم تقتصر هذه العلاقة على الخضوع السياسي، بل ساهمت في إضعاف الموقف المسيحي في لبنان، وتحويله من شريك أساسي في المشروع اللبناني إلى تابع ضمن منظومة إقليمية تقودها أجندات خارجية.

3. تبرير الفساد وتحويل الدولة إلى أداة قمعية

ساهمت الحالة العونية في تكريس الفساد كنظام حكم، حيث استُخدم القضاء والقانون كأدوات لقمع الأصوات المعارضة وكشف ملفات الفساد. أدت هذه الممارسات إلى انهيار مؤسسات الدولة، وإفقاد اللبنانيين ثقتهم بالنظام السياسي والقانوني.

4. تحريف قضية الأقليات

تحت ذريعة حماية المسيحيين والأقليات، ابتكرت الحالة العونية خطاباً تخويفياً أرهب المسيحيين من “الخطر الوجودي”، مما دفعهم إلى القبول بالفساد والخضوع لأجندات إقليمية. أصبح هذا الخطاب وسيلة لإضفاء شرعية على التحالف مع المحور الإيراني، وتبرير السياسات التي أضرت بكل اللبنانيين.

5. تمجيد التفاهة والفساد

ساهمت الحالة العونية في خلق بيئة من الهلع والارتهان بين المسيحيين، حيث أصبحوا يمجدون شخصيات مضطربة وفاسدة كجزء من “الدفاع عن حقوقهم”. أدى هذا النهج إلى تراجع الدور الفاعل للمسيحيين في بناء الدولة، وحصرهم في حالة من العجز والانقسام الداخلي.

منذ تولي وزراء التيار العوني وزارة الطاقة، تحوّل هذا القطاع إلى واحد من أكبر منابع الهدر والفساد في تاريخ لبنان الحديث. صرفت الحكومات المتعاقبة ما يزيد عن 60 مليار دولار على قطاع الكهرباء، في مشاريع كان يُفترض أن تعالج أزمة الكهرباء المزمنة وتؤمن للبنانيين كهرباء مستدامة. إلا أن النتيجة كانت كارثية، حيث لم يتحسن وضع الكهرباء ولو بساعة واحدة، بل زادت الأزمات عمقاً:

1. غياب الشفافية في إدارة الأموال:
كل هذه المليارات صُرفت في ظل غياب شبه كامل للرقابة والمساءلة، حيث استُبعدت الهيئات الرقابية وأُضعف القضاء المستقل. لم تُقدم أي تقارير واضحة حول كيفية إنفاق هذه الأموال أو تفاصيل العقود والمناقصات المرتبطة بالمشاريع.

2. الإصرار على الحلول المؤقتة والمكلفة:
بدلاً من الاستثمار في مشاريع استراتيجية طويلة الأمد، مثل بناء محطات توليد حديثة أو شبكات توزيع متطورة، فضّلت وزارة الطاقة برعاية التيار العوني اللجوء إلى حلول مؤقتة مثل استئجار البواخر التركية، التي كلفت الخزينة أموالاً طائلة دون أي مردود فعلي.

3. تفشي الفساد والمحاصصة:
تحوّلت الوزارة إلى مركز للمحسوبيات والمحاصصة، حيث تم تعيين موظفين ومقاولين غير مؤهلين، فقط بسبب انتمائهم السياسي. هذا النهج أدى إلى ضعف كفاءة الإدارة وغياب أي نتائج ملموسة على الأرض.

التداعيات على الاقتصاد اللبناني

إن الفساد في وزارة الطاقة ليس مجرد أزمة قطاعية، بل هو أحد الأسباب الرئيسية للانهيار الاقتصادي والمالي في لبنان. فقد استنزف هذا القطاع احتياطات الدولة بالعملات الأجنبية، وفاقم أزمة الدين العام، وترك اللبنانيين يدفعون أثماناً باهظة عبر فواتير المولدات الخاصة.

الضرر العوني: بين الشعارات والواقع

كان من المفترض أن تشكل الحالة العونية مشروعاً إصلاحياً يدافع عن حقوق المسيحيين ويسهم في بناء دولة القانون. إلا أن الواقع أظهر أن هذه الحالة كانت جزءاً من المشكلة وليست الحل.

رفعت شعارات السيادة والحرية، لكنها تحالفت مع قوى خارجية وأغرقت البلاد في أزمات داخلية.

دعت إلى الإصلاح والشفافية، لكنها جسّدت أسوأ أشكال الفساد والهدر.

وعدت بحماية حقوق المسيحيين، لكنها دفعتهم إلى الانقسام والتراجع، وأدخلتهم في حالة من التبعية والخوف.

الحاجة إلى مراجعة شاملة

إن تجربة الحالة العونية في وزارة الطاقة، وفي الحكم عموماً، تشكل نموذجاً صارخاً لسياسات الفشل والفساد. هذا الفساد لم يكن مجرد إخفاق إداري، بل جريمة كبرى بحق الشعب اللبناني ومستقبله.

إن التصدي لهذا الإرث يتطلب مراجعة شاملة لتجربة الحالة العونية، وقيام المسيحيين خاصة، واللبنانيين عامة، بمساءلة هذا النهج ومحاسبته. يجب أن تكون الأولوية اليوم هي استعادة الثقة بالدولة ومؤسساتها، والعمل على بناء لبنان قائم على الكفاءة والشفافية، بعيداً عن الشعارات الزائفة والممارسات الهدامة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى