تحت المجهر

نهاية التيار العوني: خطوة نحو استعادة لبنان

مع انهيار نظام الأسد وتراجع نفوذ حزب الله في المنطقة، باتت الظروف مهيأة لإنهاء حقبة التيار العوني، الذي يُعدّ أحد أبرز أسباب الأزمات المتلاحقة التي عصفت بلبنان على مدار العقود الماضية. فقد شكّلت “العونية السياسية” عاملًا أساسيًا في تفكيك بنية المجتمع اللبناني، وإضعاف الدولة، وترسيخ الفساد في مؤسساتها، مما أسفر عن انهيار اقتصادي ومالي شامل، قبل أن يُستنزف البلد في حروب وصراعات إقليمية.

البداية المدمّرة

في عام 1988، ومع صعود “العونية السياسية”، اجتاح هذا التيار المناطق المحررة من لبنان وشنّ حملة شعواء على القيم الوطنية والمسيحية، التي كانت تمثل العمود الفقري للمجتمع اللبناني. استهدف التيار البطريركية المارونية ورمزها، البطريرك صفير، في محاولة لتقويض دورها الوطني، ووصل الأمر إلى الاعتداء عليه في مقر بكركي، في مشهد جسّد استعراضًا صارخًا للقوة.

هذه الممارسات أسهمت في تمزيق النسيج الاجتماعي، وإشاعة الانقسام والكراهية بين اللبنانيين، حتى دخل الخلاف إلى المنازل وفرق بين الأشقاء، في ظاهرة غير مسبوقة بتاريخ لبنان.

الحروب العبثية وحرب الإلغاء

مع تغلغل نفوذ “العونية السياسية”، أشعل التيار العوني حروبًا داخلية مدمّرة بين أبناء المنطقة الواحدة والوطن الواحد. ورغم رفعه شعارات مثل “الدولة لا الدويلة”، فإن تلك الصراعات لم تؤدِ إلا إلى مزيد من الخراب. حرب الإلغاء، التي استهدفت القوات اللبنانية، كانت من أبرز هذه الكوارث، حيث أضعفت الصف الداخلي ومهّدت الطريق أمام سيطرة الاحتلال السوري على لبنان لعقود.

خيانة انتفاضة الاستقلال

في عام 2005، ومع انطلاق ثورة الأرز، برزت فرصة تاريخية لتحرير لبنان من الاحتلال السوري. إلا أن التيار العوني، بدلًا من الالتحاق بالمشروع الوطني، انقلب عليه وتحالف مع حزب الله، الذراع الإيرانية في لبنان. لم يكتفِ بذلك، بل أعاد رموز الاحتلال إلى الساحة السياسية عبر التحالف معهم في الانتخابات، ما ساهم في تكريس الهيمنة الإيرانية على مؤسسات الدولة اللبنانية، ودفع البلاد نحو عزلة دولية خانقة وأزمات متفاقمة.

إرث الفساد والانهيار

تُرجم النهج العوني بشكل واضح خلال عهد الرئيس ميشال عون، حيث صار رمزًا للفساد والانهيار المؤسسي. وعلى رأس الأمثلة تأتي وزارة الطاقة، التي تحولت إلى نموذج صارخ للفشل. أُهدرت مليارات الدولارات (تُقدّر بأكثر من 60 مليار دولار) على وعود بتحسين قطاع الكهرباء، لكنها لم تحقق شيئًا يُذكر، بل تركت اللبنانيين غارقين في العتمة 24 ساعة يوميًا.

وفي حين رفعت شعارات “الإصلاح والتغيير”، عطّل التيار العوني جميع محاولات الإصلاح الجدية، بما في ذلك تلك التي نص عليها مؤتمر “سيدر”. كما أفشل المبادرات الدولية والعربية لإنقاذ الاقتصاد اللبناني، ممعنًا في عرقلة جهود النهوض بالدولة.

نهاية التيار العوني: أمل جديد

مع التحولات الإقليمية والدولية، بات إنهاء تأثير التيار العوني ضرورة ملحة لاستعادة القرار الوطني الحر في لبنان. القضاء على “العونية السياسية” لا يُعدّ فقط مطلبًا شعبيًا، بل هو شرط أساسي لإعادة بناء القيم الوطنية، وترميم ما دمرته سياساته من مؤسسات.

إن إنهاء حقبة التيار العوني يمثل بارقة أمل حقيقية للبنانيين في بناء دولة جديدة قائمة على الكفاءة والنزاهة، بعيدًا عن الفساد والارتهان للخارج. لقد حان الوقت لطي هذه الصفحة المظلمة، والانطلاق نحو مستقبل يليق بلبنان وشعبه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى