الاحتفالات بوقف إطلاق النار: انتصار أم هروب من الواقع؟
في أعقاب إعلان وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، شهدت بعض المناطق اللبنانية احتفالات واسعة، وكأنها تعبير عن انتصار تم تحقيقه. زُيّنت الشوارع ورفعت الأعلام، وعلت أصوات الهتافات التي تعبّر عن الفرح. لكن بين هذه المظاهر الاحتفالية وبين الواقع المرير، تتجلى تساؤلات محورية: هل ما حدث يُعتبر انتصارًا حقيقيًا، أم أنه مجرد هروب من واقع الدمار والآلام التي خلفتها الحرب؟
ثمن الحرب باهظ
أسفرت الحرب عن خسائر بشرية ومادية كارثية؛ حيث قُتل حوالي 4000 شخص، وأُصيب 15000 آخرون بجروح متفاوتة، بينما أصبح 5000 شخص يعانون من إعاقات دائمة. بالإضافة إلى ذلك، دُمّرت البنية التحتية في العديد من المناطق اللبنانية، مما ترك البلاد غارقة في أزمات إنسانية واقتصادية. ورغم ذلك، لم تحقق الحرب هدفها الرئيسي، وهو دعم غزة؛ إذ اضطر حزب الله إلى وقف عمليات الإسناد تحت وطأة الضربات الإسرائيلية. والأهم من ذلك، تهاوت نظرية توازن الردع مع إسرائيل، حيث أعادت القوات الإسرائيلية احتلال أكثر من 40 بلدة في جنوب لبنان، ولم يتمكن حزب الله من إيقافها أو حماية الأراضي اللبنانية. وانتهت الحرب باتفاقية هدنة تضمنت تنازلات استراتيجية.
مصير الأسرى: قضية مؤجلة
من بين النقاط المقلقة التي لم تُحسم في اتفاقية وقف إطلاق النار، مصير الأسرى اللبنانيين لدى الجيش الإسرائيلي. ما زال هناك عشرة من عناصر حزب الله في الأسر، ولم تشملهم بنود الهدنة، مما يترك تساؤلات حول مدى فعالية التفاوض وما إذا كانت الحرب قد خدمت بالفعل أهداف المقاومة أم لا.
استسلام أم إعادة تقييم؟
وقف إطلاق النار ترافق مع إجراءات قد يعتبرها البعض تنازلات كبيرة، مثل انسحاب حزب الله جنوب الليطاني وتجريده من سلاحه في تلك المنطقة. هذه الخطوات أثارت تساؤلات حادة: لماذا بدأ حزب الله حربًا لم يكن مستعدًا لها؟ وهل كان الهدف الأساسي يستحق هذا الكم الهائل من الخسائر؟
من جهة أخرى، يرى البعض أن هذه التنازلات لا تعني استسلامًا بقدر ما هي محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد التدهور الكبير على كافة الأصعدة. لكن هذا لا يلغي الشعور العارم بين الناس بأن ما حدث هو نتيجة سوء تقدير استراتيجي وعدم الاستعداد لمواجهة بهذا الحجم.
الحقيقة المُرّة
الاحتفالات، وإن بدت مبهجة على السطح، لا تستطيع إخفاء الجراح العميقة التي تعاني منها البلاد. الدمار، الفقدان، والمعاناة هي الحقائق الحقيقية التي تواجه لبنان الآن. لا يمكن تسمية وقف إطلاق النار انتصارًا عندما يكون ثمنه آلاف الأرواح، وتدهور الاقتصاد، وتهديد الاستقرار الوطني.
في النهاية، يظل السؤال قائمًا: هل كانت هذه الحرب خيارًا استراتيجيًا حكيمًا أم مغامرة عبثية؟ الإجابة قد تكون مرهونة بما إذا كانت القيادة اللبنانية قادرة على استيعاب الدروس وتجنب تكرار المأساة.