إذا كان هذا نصرًا، فكيف تكون الهزيمة؟
بعد ضغوط أمريكية مكثفة على إسرائيل وصلت إلى حد التهديد بتمرير قرار وقف إطلاق النار عبر مجلس الأمن الدولي، وافقت إسرائيل على اتفاق وقف إطلاق النار مع حزب الله لتجنب المزيد من الضغوط. وعلى الفور، بدأ إعلام حزب الله بالتحضير لإعلان الاتفاق كنصر للحزب، رغم أن الواقع يُظهره كاستسلام مخزٍ.
فبعد سقوط 4000 قتيل، و5000 معوّق، و15 ألف جريح، ومقتل غالبية قياداته، وجد الحزب نفسه مضطرًا للموافقة على وقف الحرب، بالتزامن مع تجريده من السلاح جنوب الليطاني تحت رقابة دولية للتأكد من الالتزام بذلك. هذه التطورات زادت من خيبة أمل اللبنانيين بشكل ملحوظ بسبب الطريقة التي انتهت بها المواجهات.
إضافة إلى ذلك، لم يتضمن الاتفاق أي بند يضمن إطلاق سراح الأسرى اللبنانيين من عناصر حزب الله الذين أسرهم الجيش الإسرائيلي في المعارك الأخيرة، ويُقدّر عددهم بـ 11 أسيرًا، مما عمّق الشعور بالفشل. كما برز إخفاق كبير في استراتيجية الحزب التي طالما اعتمد عليها تحت مسمى ‘توازن الرعب’.
لطالما روّج حزب الله لهذه الاستراتيجية كوسيلة لردع إسرائيل عبر بناء ترسانة صاروخية تهدد العمق الإسرائيلي. إلا أن الحرب الأخيرة كشفت محدودية هذه الاستراتيجية، حيث استطاعت إسرائيل تنفيذ ضربات واسعة النطاق وتدمير البنية التحتية في لبنان، واحتل الجيش الإسرائيلي عشرات القرى في جنواب لبنان ودمرها ، دون أن يحقق الحزب أهدافه المعلنة. لم يكن هناك “رعب متبادل” كما زُعم، بل بدت قدرة الحزب على فرض شروطه شبه معدومة مقارنة بحجم الخسائر التي تكبدها.
خيبة الأمل الشعبية تضاعفت نتيجة التناقض الصارخ بين الخطاب السياسي الذي وصف ما حدث بنصر عظيم، وبين الواقع الذي يعكس خسائر بشرية واقتصادية هائلة دون أي مكاسب ملموسة. لا تحرير للأسرى، ولا تعزيز لمكانة لبنان في معادلات الصراع الإقليمي.
اليوم، يُنظر إلى هذه الهزيمة على أنها علامة فارقة في تراجع نفوذ قيادة حزب الله، مما أثار تساؤلات واسعة حول مستقبله في لبنان، خصوصًا في ظل استمرار التدهور الاقتصادي والسياسي. بات اللبنانيون أكثر وعيًا من أي وقت مضى بأن الاستراتيجيات المبنية على الصراعات المستدامة لا تنتج إلا المزيد من الدمار والانقسامات.