سمير…وكأّنك النجاشي في الحبشة
كتب خالد السيد في موقع الخبر تحت عنوان:“سمير…وكأّنك النجاشي في الحبشة”
لم تكن وحدك
وكأّن سمير جعجع خاض الحرب الأهلية في البلد، وحده.
وكأّنه كان قائد الميليشيا الوحيدة آنذاك. وكأّن عاصم قانصو، ووليد جنبلاط، وابراهيم قليلات، وجورج حاوي، وياسر عرفات كانوا حينها سفراء سلام لليونيسيف.
وكأّن “القوات اللبنانية” في ذلك الزمن كانت تقاتل بمفردها، “أشباحا” يقابلون رصاصها بالورود والزنبق وأقحوان الحقول.
وكأّن نبيه بري “صمام أمان” الجمهورية، لم يقتل من الفلسطينيين في المخيمات، جوعا، وعطشا، وتنكيلا، أكثر مما قتلت الأحزاب اللبنانية مجتمعة. وحدها إسرائيل تفوقت عليه اليوم في مجازرها المتواصلة بحق الفلسطينيين في غزة. ولا يخجل أن يخرج معتمرا الكوفية البيضاء والسوداء ليصفق له الملايين حاميا لقضية العرب المركزية.
شعب لا يحمل ذاكرة. لا يريد أن يتذكر، إلا ما تهواه الأنفس، أو ما يُلقن له عن هذا أو ذاك، لنكّون “ذاكرة سمك” ضحلة تتجدد حروبا بوقود الفقراء كل 20 عاما من عمر الكيان الهجين.
قبائل أشبه بقطعان غنم تُساق نحو المقصلة، لكنها تمشي بزهو فارغ، ملؤه الغباء والتبعية والسُخف.
اعتذار القوي
حين يكون الحديث عن سمير جعجع، تنبري أصوات بين الحين والآخر، في مناسبات ومواضع معينة، مسلمة في أغلبها، وحتى من بعض المسيحيين أحيانا، لتذّكر الجميع بالقتل على الهوية، ومجازر زغرتا، والدامور وصبرا وشاتيلا، وحاجز البربارة…
أسلوب مكرر ولن ينتهي، يتمثل بشيطنة العدو ليسهل إسقاطه.
وحده دون غيره تحاسب على ما اقترفته يداه، وما لم تقترفه. لم يفقه أعداؤه أن حسابه في الدنيا سيكون إفساحا لمغفرة أكبر في الآخرة. أمر لا يفهمه الحاقدون عليه كما الخائفون منه. ظنّوا أنهم كسروه فخرج من غياهب السجن بعد التفكر والتأمل والتصالح مع الذات والآخرين، ليكرّس أنه “الأقوى”، في الدين والفلسفة والمنطق والبساطة والجماهيرية وصغائر الأمور قبل أعظمها.
يا أيها اللبنانيون، ألم تنتبهوا أن سمير جعجع كان الزعيم اللبناني الوحيد الذي اعتذر علانية عن فترة الحرب. عما قام به. ألا تجّب التوبة ما قبلها، أم أن آلهتكم من أمراء الحروب لا تغفر لمن قد يهّز عروشها.
أيُعقل أن يمّر فعل كهذا عليكم جميعا مرور الكرام. كل زعمائكم قاتلوا وقتلوا، ولم يؤنبهم ضميرهم يوما لدمعة صامتة في جوف ليل تسقط طالبة السماح من طفل أو امرأة أو شيخ قُتلوا بدم بارد وعقل مريض، يظن أنه يفعل الصواب بحق “آخر” لا يستحق الحياة على رقعة لا تتجاوز مساحتها 10452 كلم مربع.
وحده الصادق يعتذر بجبين شامخ، ووحده القوي يقولها جهارا ولا يخشى تبعاتها. وحده سمير جعجع فعلها دون سواه، لكنكم لا تريدون أن تفهموا وتستفيقوا.
هجرة وظلم وتعايش
حين اشتد الظلم على المسلمين الأوائل في بداية الدعوة الجديدة، من أهلهم قبل الغرباء، نصحهم الرسول بترك مكة والهجرة إلى الحبشة لأن فيها «ملك لا يُظلم عنده أحد، عادل في حكمه، كريماً في خلقه». هناك يستطيعون العيش في سلام آمنين على أنفسهم وعلى دينهم.
يقول مؤرخون أنه لولا النجاشي أصحمة بن أبجر، المسيحي الملتزم بدين الكنيسة، لما قامت “دولة الإسلام” تاليا. حمى المسلمين وآواهم، وعنده عاشوا بحرية وبسلام مارسوا دينهم.
لن يعجب هذا الكلام الكثير من المسلمين، لكنها الحقيقة التي لا يجرؤ على قولها أحد.
كان المسيحيون في لبنان قبل الإسلام، وبقوا بعد أن دخله وانتشر. لآلاف السنين عاش المسلمون السنّة مع المسيحيين دون حروب ولا اقتتال أو سفك دماء.
في مدن عديدة كطرابلس وبيروت وصيدا، جاورت الكنائس المساجد ببضع أمتار لا تزال شاهدة، دون تكلف أو تكاذب أو تصّنع. بطبيعية وسلاسة تعايشا رغم الاختلاف، حتى جاء الظلام الأسود الزاحف بحقد تاريخي زائف، فزرع الفتن وخلق الأكاذيب، وعاث في الأرض فسادا خدمة لهدف “التقّية الأكبر”، وكلما اشتد عوده، زادت المصائب لتفتك بالجميع دون تمييز كما يحصل اليوم تماما.
حكيم بلا حكماء
إن صدق ما قيل حينها، فقد غضب سعد الحريري من سمير جعجع لأنه قال للسعوديين بأن ولد رفيق الحريري لا يصلح زعيما لحالة لبنان حين احتجزه الأعراب في “ريتز” الرياض. وحزن من خلفه كثير من المسلمين لما بدر من مسيحي تجاه زعيم السنّة في لبنان.
لو كنّا في المراتب الدنيا من مدينة الفارابي الفاضلة، لكان جعجع تقلد أرفع وسام على ما قيل إنه قد قاله بحق الحريري.
نعم، من يفكر في مصلحة الوطن والسنّة في لبنان يدرك قطعا أن سعد الحريري مهلكة للطائفة لا رافعة لها، وأن ابن بشري يعلم بمصلحة الدين أكثر مما تعلمه تلميذ مدارس نجد الإسلامية في الرياض.
“حكيم” في لبنان…أمران لا يجتمعان. لم تصبح دكتوراً لكنك ستبقى “الحكيم”.
ولو أن في لبنان بعض الحكماء لأدركوا بأنها الفرصة المناسبة اليوم للتكاتف حولك من جميع الأديان والطوائف والمذاهب، والمناداة بطروحاتك الإنقاذية لوطن سيبتلعه السواد في “اليوم التالي” لانتهاء الحرب.
لكننا نثبت بأننا شعب لا يستحق الحياة الكريمة.