القضاء اللبناني يبرّئ الأمن الداخلي من مقتل مرافق وهّاب
توصّل مفوض الحكومة اللبنانية المعاون لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي، بعد تحقيقاته الأولية في أحداث بلدة الجاهلية التي وقعت في الأوّل من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، والتي توفي بنتيجتها محمد أمين أبو دياب، المرافق الشخصي لرئيس “حزب التوحيد العربي” وئام وهّاب، إلى أنّ قوى الأمن الداخلي بريئة من مقتله، وذلك لعدم تطابق الرصاصة المستخرجة من جثّته، وهي من عيار 5.56 ملم، مع رصاص البنادق التي كانت بحوزة رجال قوى الأمن، وفق ما أظهرت المقارنة المجهرية والدراسات الفنية للتحقيق.
وبعد مؤتمر صحافي عقده وهّاب السبت شكّك فيه أن تكون قوى الأمن سلّمت القاضي عقيقي الأسلحة نفسها التي كانت بحوزتها أثناء الحادثة، استغربت مصادر قضائية رد فعل وهّاب حول ما خلصت إليه التحقيقات مشيرة الى أن القضاء اللبناني كان حيادياً تماماً في التحقيقات التي حصلت بحرفية تامة.
وأشارت المصادر لـ “اندبندنت عربية” الى أن التحقيقات لا تزال مستمرة وتتركز حالياً على معطيات عديدة أبرزها بعض التناقض في إفادات مرافقي وهّاب والتي أظهرت بشكل واضح خلافات شخصية بين المرافقين المباشرين لوهّاب وأبو دياب.
وشددت مصادر قضائية التي فضلت عدم الكشف عن اسمها الى أن معطيات كثيرة حاول وهّاب وبعض الشهود المقربين منه إخفاءها ولاسيما تلك المتعلقة بحيثيات نقل أبو دياب الى مستشفى الرسول الأعظم في الضاحية الجنوبية، متسائلة عن احتمال حصول توجيه ما لنقل أبو دياب حيث كان جريحاً حينها، وجروحه متوسطة، الى الضاحية حيث إمكانية التحكم بالتقرير الطبي والأدلة الجنائية واردة نظراً الى سيطرة حزب الله على المنطقة أمنياً وسياسياً وفي ظل غياب واضح لدور الدولة وأجهزتها، وهذا أمر مستغرب جداً.
وقالت تلك المصادر “إن قضية اختفاء ثياب أبو دياب في مستشفى الرسول الأعظم تشكل لغزاً حقيقياً”، مؤكدة أن الأجهزة الأمنية طلبت تسجيلات للأشرطة التي توثق وصول السيارة التي أقلّت أبو دياب الى الضاحية الجنوبية ومدخل المستشفى ولحظة إخراجه من السيارة، حيث لم تسلِّم المستشفى الى الأجهزة الأمنية إلا بعض اللقطات المجتزأة.
من ناحيتها رفض الحزب التقدمي الاشتراكي (الذي يتزعمه وليد جنبلاط) على لسان احد مسؤوليه التصريحات والاتهامات التي توجه بها وهّاب للقضاء، معتبرة ان وهّاب “يريد نتائج تحقيق تناسبه وتناسب حلفاؤه الذين أرادوا من حادثة الجاهلية، و”عراضة الجبل” التي قام بها أنصاره، إحداث فتنة داخل الطائفة الدرزية، وذلك بأمر عمليات صادر عن نظام بشار الأسد الذي يسعى من خلال أزلامه في الساحة الدرزية تطويق جنبلاط ومحاصرته وتهديد أمنه وأمن الجبل”.
ورأت المصادر الاشتراكية ان استمرار وهّاب “باستغلال مقتل أبو دياب يدينه بشكل مباشر ويدين معه الفريق السياسي الذي انطلق من الجريمة المستنكرة لتوحيد صفوف المعارضين لجنبلاط وإعادة تعويم الشيخ نصر الدين الغريب والذي يعتبرونه شيخاً للعقل (رتبة دينية رفيعة) وهذه مخالفة واضحة وعلنية للأحوال الشخصية التي تنظم شؤون طائفة الموحدين الدروز”.
وقالت المصادر الاشتراكية إن على القضاء اللبناني ان يحقق بتصريح أدلى به ابن أبو دياب عبر فيسبوك، وهو يبلغ من العمر ثلاثة عشر عاماً، في حين ان مضمون التصريح المكتوب يشير الى شخص بالغ وكأن هناك جهات تحاول التشويش على الرأي العام وتسيِّس التحقيق.
وكان جاء في تقرير القاضي عقيقي الادعاء على الموقوفين المدنيين العشرة في القضية وعلى “كل من يظهره التحقيق مشاركاً في جرائم مقاومة عناصر أمنية بالعنف وإطلاق النار تهديداً في الهواء، وتهديدهم بالقتل من أسلحة حربية مرخصة وغير مرخصة وشتمهم وتحقيرهم وقطع الطرقات”.
كذلك ادّعى عقيقي على مجهول بجرم التسبب بمقتل أبو دياب، محيلاً الملف مع الادعاء والمضبوطات والموقوفين، أمام قاضي التحقيق العسكري الأول لإجراء الاستجوابات اللازمة و”إصدار المذكرات الواجب اتخاذها في هذا الشأن”.
في المقابل قال وهّاب في مؤتمره صحفي إن القاضي ناقض نفسه عند اعترافه بعيار الرصاصة ونفيه أن تكون لأسلحة قوى الأمن، فيما “الكل يعلم أنّ هذا النوع من الرصاص الأميركي يستخدم في السلاح الرسمي”، وفق وهّاب. وأضاف “الحرّاس لدينا يستخدمون بنادق روسيّة رصاصاتها من عيار 7.76 ملم”، مشدّداً على “أنّ أبو دياب قتل برصاصة قنص عن بعد 300 متر، وهي عملية تحتاج محترفاً لتنفيذها”.
ورأى وهّاب الادعاء على مجهول محاولة لتضييع الفاعل، معتبراً القاضي عقيقي مرجعاً غير صالح لمناقشة هذه القضية.
حادثة الجاهلية
وتعود جذور المشكلة الى يوم باشر وهّاب حملة ضدّ رئيس الحكومة سعد الحريري، المكلف حينها، وتهجّم عليه في مقابلة تلفزيونية قال فيها “ما هي إنجازات رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري؟ ما هي إنجازات هذا الكاراكوز؟ لو لم يكن ابن رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري من يشغله ناطور (حارس) بناية عنده؟ لو لم يكن ابن رفيق الحريري لكان إذا أرسل سيرته الذاتية إلى شركة معينة ما كانت لتقبل به”.
إهانات وهّاب دفعت مناصري الحريري وتيّار المستقبل، الذي يرأسه، إلى قطع عدد من الطرقات في بيروت ومناطق أخرى، والرد عليه على مواقع التواصل الاجتماعي.
وعادت وتصاعدت حدة التوتر في لبنان بعد انتشار فيديو لوهّاب على مواقع التواصل الاجتماعي وهو يتلفظ بشتائمَ واتهاماتٍ أخلاقية مشينة، فُهمت أنّها موجهةٌ للحريري ولوالده الراحل رفيق الحريري. الأمر الذي دفع الحريري إلى التقدّم بشكوى مباشرة ضد وهّاب بجرم القدح والذم وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية والحض على الفتنة الداخلية.
ومع توجّه قوّة من شعبة المعلومات التابعة لقوى الأمن الداخلي إلى منزل وهّاب في بلدة الجاهلية في الأوّل من ديسمبر لإحضاره بهدف الاستماع إلى إفادته في دعوى الحريري ضدّه، وذلك بناءً على إشارة النيابة العامة التمييزية بعدما تخلّف عن الحضور رغم تبلغيه وجوب مثوله أمام القضاء، وقع إشكال بينها وبين مناصري وهّاب وحرّاسه أُطلق خلاله النار من أماكن عدّة في البلدة ومن قبل مجهولين، ما أدّى إلى مقتل مرافق وهّاب محمد أمين أبو دياب.
على إثر هذه الحادثة شنّ وهّاب هجوماً على قوى الأمن واتهمها بقتل أبو دياب، فيما أكّد بيان صدر عن المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي أنّه لدى مغادرة القوة بلدة الجاهلية “قام مناصرو وهّاب بإطلاق النار من أسلحة مختلفة بشكل عشوائي، ما أدى إلى إصابة أحد مرافقي وهّاب المدعو محمد أبو دياب في خاصرته”
المصدر : اندبندنت