الصراع القادم مع حزب الله – الجزء الثاني
بقلم سيث جي جونز ودانييل بايمان وألكسندر بالمر ورايلي مكابي
مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية
آذار 2024 – ترجمة صوفي شماس
أهداف حزب الله وقواته العسكرية وقدراته
لدى حزب الله عدة أهداف يمكن أن تؤدي إلى صراع مع إسرائيل، على الرغم من أن لدى الحزب أهداف عديدة، وفي بعض الأحيان متنافسة، بعضها يجعل الصراع أقل احتمالاً أو على الأقل من شأنه أن يدفع حزب الله إلى توخي الحذر. ويعتبر حزب الله نفسه منظمة ثورية وأحد قادة النضال الإسلامي الأوسع ضد إسرائيل. لقد كان تدمير إسرائيل جزءاً من أيديولوجيته الأساسية منذ تأسيسه، ومعظم أعضائه يعارضون بشدة وجود الدولة اليهودية. ويتقاسم حزب الله هذا الهدف مع إيران، التي ترفض إسرائيل أيديولوجياً أيضاً وتعتبرها تهديداً للجمهورية الإسلامية: على مدى عقود، انخرطت إيران وإسرائيل في حرب ظل، حيث قامت إسرائيل بتنفيذ اغتيالات ضد إيران وبناء تحالفات مع المنافسين الإقليميين لإيران، مثل السعودية. ومن جانبها، دعمت إيران جماعات مثل حماس وحزب الله ضد إسرائيل، واستخدمت الإرهاب، وحاولت إضعاف إسرائيل. من جهة أخرى، يعتبر حزب الله نفسه أيضًا مدافعًا عن لبنان، ويسعى، مثله في ذلك كمثل حماس، إلى إطلاق سراح السجناء المحتجزين لدى إسرائيل.
ومع ذلك، لدى حزب الله أسباب مهمة للحذر. والأكثرها أهمية هو أن حزب الله يسعى إلى الحصول على شعبية أوسع في لبنان، وبالتالي، إن إشعال حرب مدمرة قد يؤدي إلى تقويض هذه الشعبية، وخاصة خارج قاعدته الشعبية الشيعية. وقد تسعى إيران أيضاً إلى الاحتفاظ بحزب الله احتياطيًا كسلاح لاستخدامه إذا شنّت إسرائيل أو الولايات المتحدة هجوماً كبيراً على إيران نفسها. وأخيراً، يعترف حزب الله بالقوة العسكرية لإسرائيل ولن يستدرج بسهولة صراعاً قد يخسره، أو على الأقل قد يؤدي إلى دمار واسع النطاق في لبنان.
تصميم القوة
لدى حزب الله حوالي 30 ألف مقاتل نشط وما يصل إلى 20 ألف احتياطي. وتتكون قواته في المقام الأول من قوة مشاة خفيفة، تم تدريبها وتصنيعها تاريخياً للتخفي والتنقل باستقلالية. استخدم حزب الله نسخة مما تسميه الولايات المتحدة “قيادة المهمة”، مما يمكّن مرؤوسيه من اتخاذ قرارات مستقلة في ساحة المعركة بناءً على نية القائد. وقد سمح تصميم القوة هذا لحزب الله بالعمل بفعالية في ظل ظروف القوة النارية الإسرائيلية الساحقة. على سبيل المثال، تم تصميم وحدات الصواريخ الخاصة به لإنشاء موقع إطلاق، وإشعال النار، والتفرّق في أقل من 28 ثانية، بالاعتماد على معدات موضوعة مسبقاً، وملاجئ تحت الأرض، ودراجات جبلية لسدّ هذه النافذة الصغيرة المنكشفة. وفي أعقاب حرب العام 2006، واصل حزب الله البناء على نقاط قوة هذا النهج، حيث قام بتطبيق اللامركزية على قيادته وإعادة تنظيمها لإجبار جيش الدفاع الإسرائيلي على الدخول إلى مناطق أكثر تحضراً حيث يمكن لمقاتليه الاستفادة من المواقع المخفية والمحصّنة.
إن تجربة حزب الله في القتال دعماً لبشار الأسد في سوريا على مدى العقد الماضي أتاحت له الوصول إلى القدرات والكفاءات التي تستخدمها الجيوش التقليدية. يستطيع حزب الله الآن إجراء مناورات منسّقة لعدد أكبر من العناصر، واستخدام المدفعية القمعية، وتأمين الخدمات اللوجستية لدعم مجموعات أكبر. كما أتاح القتال في سوريا لحزب الله إمكانية الوصول إلى الدبابات القتالية الرئيسية من طراز T-72 وT-54/55 وT-62. إنما قدرته على استخدام المدرعات داخل لبنان أمر مشكوك فيه، إذ تتطلب دبابات القتال الرئيسية تشكيلات دعم وسلاسل إمداد مخصصة قد لا تكون موجودة في مناطق سيطرة حزب الله في لبنان، وستستهدف إسرائيل دبابات القتال الرئيسية بقوة بالطائرات المقاتلة والطائرات بدون طيار والمدفعية.
في سوريا، حارب حزب الله عدواً مختلفاً، قوات غير نظامية تبدو مختلفة تماماً عن الجيش الإسرائيلي الحديث. إن قدرة حزب الله على الاستخدام الفعّال للقدرات التي اكتسبها منذ العام 2006 في مواجهة القوة النارية للجيش الإسرائيلي، وخاصة القوة الجوية، غير واضحة، ومن المحتمل أن يتم تدمير أي قوات كبيرة وثقيلة بسرعة في حال تمّ نشرها.
الجغرافيا والمواقع الدفاعية
توفر جغرافية جنوب لبنان مزايا عديدة يستطيع مقاتلو حزب الله استغلالها في الحرب مع إسرائيل. تتكون المنطقة، بما في ذلك معظم المنطقة الواقعة مباشرة على الحدود الإسرائيلية من تلال صخرية. في العام 2006 وخلال اشتباكات أخرى مع إسرائيل، استخدمت مجموعات صغيرة ومتنقلة من مقاتلي حزب الله الأشجار والنباتات والكهوف والمباني على طول سفوح التلال لإخفاء تحركاتهم وإطلاق الصواريخ والطائرات من دون طيّار والصواريخ المضادة للدبابات على مواقع إسرائيلية عند الحدود. ومن المرجح أن تقتصر أي قوة برّية عسكرية إسرائيلية ثقيلة تحاول التحرك في جميع أنحاء المنطقة على الطرق الرئيسية المزدحمة، بسبب التضاريس الجبلية، وبالتالي ستكون عرضة للمضايقات باستخدام الصواريخ المضادة للدبابات والأجهزة المتفجرة المرتجلة والكمائن.
بنى حزب الله شبكة من الأنفاق والمخابئ في تلال جنوب لبنان لجمع الأفراد ونقل المعدات بشكل آمن نسبياً. ويستخدم حزب الله أيضاً هذه البنية التحتية لشنّ الكمائن والهجمات الصاروخية. وحيثما يفتقر إلى التحصينات العسكرية المخصصة لهذا الغرض، يستطيع مقاتلو حزب الله استغلال البنية التحتية المدنية القائمة في المدن والبلدات والقرى في جميع أنحاء المنطقة. خلال حرب العام 2006، كانت البنية التحتية المدنية بالغة الأهمية لمقاتلي حزب الله في جنوب لبنان. واستخدموها بدلاً من التحصينات العسكرية الرسمية لإخفاء مراكز القيادة، وإخفاء المقاتلين للكمائن، وتمكين المقاتلين من التفرّق والمناورة والدفاع بعمق. فر آلاف المدنيين من جنوب لبنان مع اشتداد حدّة المعارك بين حزب الله وإسرائيل بعد 7 تشرين الأول 2023، وأُفرغت بعض البلدات والقرى الواقعة على طول الحدود الجنوبية للبنان بالكامل تقريباً. وفي أي حرب مع إسرائيل، يستطيع حزب الله استغلال البنية التحتية المدنية وشبكة أنفاقه ومخابئه لمهاجمة القوات البرّية الإسرائيلية والانسحاب بسرعة. وإدراكاً منها لتحصينات حزب الله وتكتيكاته المحتملة، من المرجح أن تركز الهجمات الإسرائيلية على تطهير وتدمير شبكة أنفاق حزب الله في جنوب لبنان.
يمر عبر جنوب لبنان عدد من الأنهار، منها نهر الليطاني الذي يتدفق جنوباً من جبال لبنان قبل أن يميل غرباً حيث يصب في البحر الأبيض المتوسط. وتمثل السيطرة على هذه الأنهار ومعالمها هدفاً استراتيجياً مهماً، بما في ذلك السيطرة على حركة القوات والمعدات والإمدادات. تعمل هذه الأنهار أيضاً بمثابة تحصينات دفاعية طبيعية يمكن استغلالها لتحقيق مزايا تكتيكية في القتال من قبل القوات المدافعة.
الصواريخ والقذائف والأنظمة الجوية من دون طيار
تشكل صواريخ حزب الله وقذائفه تهديدين واضحين لإسرائيل. الأول هو تأثيرها القسري: فالقصف المستمر بالصواريخ والقذائف والطائرات من دون طيار يمكن أن يقتل أو يجرح إسرائيليين – مدنيين وعسكريين على حد سواء – أو يدمر بنية تحتية سياسية أو اقتصادية مهمة في إسرائيل. هذه هي الطريقة التي استُخدمت بها صواريخ حزب الله بداية في العام 2006، وكيفية مناقشتها عادةً في سياق الحرب مع إسرائيل. ويأتي التهديد الثاني من التأثيرات التكتيكية والعملياتية لهذه الأنظمة: قمع أو استنزاف قوات جيش الدفاع الإسرائيلي للحدّ من فعالية العمليات الإسرائيلية. وقد اكتسب حزب الله خبرة في القيام بعمليات أسلحة مشتركة في سوريا، وقد يحاول الحزب استخدام الصواريخ والقذائف كجزء من العمليات البرية ضد القوات الإسرائيلية.
من المحتمل أن يكون حزب الله هو المنظمة غير الحكومية الأكثر تسليحاً في العالم، ويشكل مخزونه من الصواريخ والقذائف والأنظمة الجوية من دون طيار جزءاً رئيسياً من ترسانته. تتراوح تقديرات عدد الصواريخ والقذائف التي يمتلكها حزب الله من 120 ألف إلى 200 ألف. ونظراً لعلاقة حزب الله الوثيقة مع إيران، فمن المرجح أن تقوم طهران بإعادة تزويد حزب الله بالأسلحة بسرعة في حال تم استخدام هذه الترسانة في صراع مع إسرائيل. ولقد أصبحت عملية إعادة الإمداد هذه أسهل مما كانت عليه في الماضي، حيث توسّع الوجود الإيراني في سوريا بشكل كبير بعد أن جاءت طهران لإنقاذ النظام السوري حين اندلعت الحرب الأهلية بعد العام 2011، مما أدى إلى إنشاء جسر بري يسهّل نقل الأسلحة من العراق إلى سوريا إلى حزب الله في لبنان، الأمر الذي يستعصي على حماس، حيث يجب تهريب الأسلحة والأشخاص عبر الأنفاق من غزة.
يتكوّن الجزء الأكبر من ترسانة حزب الله من مقذوفات غير موجّهة قصيرة المدى. لكن حزب الله زاد أيضاً بشكل كبير من قدرته على الوصول إلى الصواريخ بعيدة المدى منذ العام 2006، مما يعني أن معظم مناطق إسرائيل يمكن أن تطالها هجمات حزب الله إن تفاقم الصراع، فالصواريخ الموجّهة بدقة تشكل تهديداً خطيراً لأهم المراكز السياسية والعسكرية والاقتصادية في إسرائيل ــ وهو تهديد لم يكن موجوداً في العام 2006.
سيكون القضاء على التهديد الذي تشكله صواريخ حزب الله أمراً صعباً للغاية. ويمكن إطلاق الصواريخ من الشاحنات، الأمر الذي يزيد من حركتها وبالتالي قدرتها على البقاء، أو من مخابئ تحت الأرض، كما كان شائعاً خلال حرب العام 2006. سيتطلب العثور على قدرات حزب الله الصاروخية والصاروخية وتدميرها جهداً هائلاً من حيث الضربات الاستطلاعية التي تنطوي على مجموعة متنوعة من المعلومات الاستخبارية، وقدرات الضربة الدقيقة والقوات البرية.
تشمل ترسانة حزب الله الصاروخية أيضاً صواريخ بعيدة المدى. ومن المرجح أن تُستخدم هذه بشكل أساسي بشكل قسري، حيث يطلق حزب الله صواريخه بعيدة المدى على المراكز السكانية الإسرائيلية لتقويض الدعم الإسرائيلي للحرب، وهو قد استخدمها طوال حرب العام 2006 على الرغم من الحملة الجوية الإسرائيلية التي استهدفت تدمير منصات إطلاقها، وعدم رغبة أو قدرة حزب الله الظاهرة على الاستفادة بشكل كبير من أسلحته بعيدة المدى الإيرانية الصنع.
صواريخ حزب الله الموجهة أقل عدداً من الصواريخ بعيدة المدى، وهي لا تتعدى المئات. إن دقة هذه الأسلحة تجعل كل هجوم أكثر تدميراً وتخلق ضغطاً أكبر على أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية. إنها تزود حزب الله بالقدرة على ضرب أهداف مهمة للغاية، كالمراكز الاقتصادية الحيوية والبنية التحتية الحساسة.
في حين أن حزب الله استخدم تاريخياً صواريخه وقذائفه لإلحاق الأذى بإسرائيل بدلاً من استخدامها كجزء من عمليات الأسلحة المشتركة، فإن الأمر المهم المجهول هو كيف يمكن لحزب الله أن يستخدم قدراته الصاروخية (وبدرجة أقل) قذائفه لدعم العمليات البرية ضد جيش الدفاع الإسرائيلي. فقد يحاول حزب الله الاستيلاء على أراضٍ في شمال إسرائيل أو مرتفعات الجولان في حرب بينه وبين وإسرائيل، أو على الأقل شنّ غارات هناك.
يتطلب هذا الأمر مناورة برّية، وهو ما توفره الجيوش الحديثة عادة باستخدام النيران القمعية من المدفعية أو المنصات الجوية، ولقد أثبت حزب الله قدرته على دمج المناورة البرية مع النيران القمعية في سوريا، وقد يحاول القيام بذلك في حرب مع إسرائيل. إن مثل هذه التكتيكات صعبة من الناحية العملية، وربما تكون الخبرة موزعة بشكل غير متساو عبر قوات حزب الله العسكرية. ومن شأن دفاعات الجيش الإسرائيلي الجوية وقوته الجوية أن تحد أيضاً من قدرة حزب الله على استخدام صواريخه وقذائفه بهذه الطريقة.
إضافة إلى مخزونه من الصواريخ والقذائف، يمتلك حزب الله ترسانة كبيرة من الطائرات من دون طيار تشمل طائرات رباعية المروحية التجارية، وطائرات من دون طيار انتحارية، وذخائر متسكّعة أو صواريخ جوّالة، ومنصات أكثر تطوراً لديها القدرة على المراقبة والضرب. ويتم تزويد حزب الله بالطائرات من دون طيّار من إيران، ويتم استخدامها لإجراء عمليات مراقبة وشنّ ضربات ضد أهداف إسرائيلية. في 25 كانون الثاني 2024، ضرب الجيش الإسرائيلي مدرجا بطول 1200 متراً في جنوب لبنان يزعم أن حزب الله بناه بمساعدة إيرانية واستخدمه لإطلاق طائرات من دون طيار كبيرة. يظهر مهبط الطائرات والقاعدة المحيطة به التقدم الذي أحرزته قدرات الطائرات من دون طيار التابعة لحزب الله لتشمل أنظمة أكبر وأكثر تطوراً. تحتوي القاعدة أيضاً على مهبط لطائرات الهليكوبتر، ومرافق دعم وتخزين، ومستودعات وحظائر طائرات من دون طيّار قيد الإنشاء.
يمكن رؤية الأضرار التي لحقت بمهبط الطائرات بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية، بما في ذلك أربع حفر ناجمة عن القنابل على المدرج.
منذ 7 تشرين الأول، حاول حزب الله تنفيذ ما لا يقل عن 40 هجوماً بطائرات من دون طيّار ضد أهداف إسرائيلية، ونجح العديد من هذه الهجمات في اختراق أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية، مما أسفر عن مقتل جنود من جيش الدفاع الإسرائيلي وإلحاق أضرار بمواقع عسكرية بضربات دقيقة.