تحت المجهر

المسيحيون واللبنانيون… آمال وخيبات

النائب بيار بو عاصي

لقد أثار فضولي مقال الاستاذ سمير عطاالله تحت عنوان “أين هم الموارنة؟”. لا شك بأنه يجوز تحميل المسيحيين عموماً والموارنة خصوصاً مسؤولية ما وصل اليه لبنان الكبير، لأن البطريركية المارونية نادت به فكان.

في عام 1920، أراد البطريرك الياس الحويك لبناناً متعدّد الطوائف، فحصل على ما أراد. كان هذا الوطن الجنيني بعيدًا من أن يحظى بإجماع الذين نشأ من اجلهم. دلالات خلاصات لجنة كينج كرين، كما مؤتمري الساحل تشير الى ذلك بوضوح مقلق. كانت جميع الطوائف مستعدة للتضحية من أجل ايجاد إطار وطني يشبهها. كلمة التضحية (sacrifice) تأتي من اللاتينية “sacrificare” وتنبع من الكلمتين sacrum و facere التي تعني “القيام بفعل مقدس”، ولكن عن أي فعل مقدس نتكلم؟

بين سقوط الإمبراطورية العثمانية واستقلال لبنان، كانت الخلافات تندلع فور اعتبار لبنان أمة حرة ذات هويّة خاصة وسيادة.

اعتبر المسيحيون لبنان مساحة تضمن لهم الأمان والاستمرارية والدور السياسي. أرادوا لبنان فضاء تنمو فيه الحرية. ففيما كان المسيحيون يطمحون لوطن مكتمل الاوصاف، كان الشركاء يشعرون بالضيق داخل حدوده، فكانوا باستمرار ينجذبون نحو القضايا العابرة للحدود وبشكل خاص القضايا العربية.

إعتبر كثيرون لبنان علامة نافرة ومرفوضة، فرؤوا فيه ثمرة ملعونة ومؤامرة خبيثة نفذها السيدان سايكس وبيكو. في عام 1926، رفض العديد من الطوائف المشاركة في صياغة الدستور خوفًا من أن يكون ذلك تكريسًا للدولة اللبنانية.

كان لبنان تحديًا يصعب مواجهته وإنجازاً يقارب المستحيل. بالرغم من ذلك، وفي خضم الحرب العالمية الثانية عام 1943، بزغت شعلة أمل في الأفق. فجأة تقدّم اللبنانيون من جميع الطوائف، بخطى ثابتة ولو بطيئة، نحو الاستقلال. فكان لهم ما أرادوا. هل تمّ يومها ترويض شياطين الماضي؟ أراد كثيرون تصديق ذلك مع شيء من الإصرار والكثير من التشكيك.

في عام 1958 اندلعت مواجهات مسلحة بين السياديين اللبنانيين وأنصار عبد الناصر. لا غالب ولا مغلوب؟ نصف غالب ونصف مغلوب؟ لا يهم. كالأفعى، تبقى فأس الحرب حيّة تحت التراب تتحيّن الفرص.

بعد سبعة عشر عامًا، في 13 نيسان 1975، ها هي فأس الحرب العطشى لطعم الموت تطلّ برأسها من جديد. انها القضية الفلسطينية وعرفات ومنظمة التحرير، فغرق لبنان في دوامة عنف قاتلة. تعدّدت الاسباب والانقسام واحد. هشّمت الحرب وجه لبنان وشوهته. لن يكون بعد ويلات الحرب ما كان من قبلها.

أبرم عرفات السلام مع إسرائيل، طبعاً دون الرجوع إلى اللبنانيين الداعمين له، فغدوا يبحثون عن مأوى فوجدوه في الفناء الخلفي لعائلة الأسد.
بعد الولاء للعثمانيين، وللملك فيصل بن حسين وحلم مملكته الكبرى، ولعبد الناصر، وللفلسطينيين، ولنظام الأسد… ها هي عقدة غوردياس الفارسي تلتف حول عنق لبنان وتخنقه.

يشعر المسيحيون اليوم، وبخاصة الموارنة منهم، بالإرهاق من العودة دائماً على ذي بدء. يخشون أن يكون لبنان المتعدّد الطوائف مجرّد أسطورة، شبيهة بأسطورة سيزيف. للمرة الأولى منذ عام 1920، بدأوا يفقدون الإيمان بلبنان.

الدعوات الحديثة لأي نوع من أنواع اللامركزية ليست سوى الجزء المسموع من رغبة دفينة في الانفصال. حتى في السياسة يكون الكبت مكاناً تزدهر فيه الرغبة الدفينة.

تعاني الشعوب من عدم القدرة على الاعتراف بأخطائها فتفضّل غرق السفينة بدلاً من الاعتراف بخطأ في الملاحة.

بدأت المياه تتسرب إلى سفينة لبنان. البعض يجاهد لانقاذها والبعض يهلّل والغالبية تستسلم لانعدام الأفق.
احترسوا من إرهاق المسيحيين فلو غرقت سفينة لبنان لن ينجو أحد من ركابها.
على سؤال “أين الموارنة؟”،
أجيب “هذا هو حال اللبنانيين”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى