كيف يستفيد حزب الله من الأزمة المالية في لبنان _ الجزء الأول
معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى
حزيران 2023 – العدد 136
سمارة قزي وحنين غدار _ ترجمة صوفي شماس
في السنوات الثلاث منذ تخلف الحكومة اللبنانية عن سداد ديونها السيادية، فشلت حكومتان وطنيتان متتاليتان في تنفيذ إصلاحات ذات مغزى أو تقديم خطة اقتصادية كاملة للتأهل لخطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي. والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن هذه الحكومات فشلت في تخفيف الآلام الاقتصادية التي يعاني منها المواطنون اللبنانيون، والتي نتجت – وفقًا لتقرير البنك الدولي – عن “ركود متعمد”.
جاء انهيار مؤسسات الدولة قبل التخلف عن السداد في آذار 2020، الأمر الذي أدى بدوره إلى تسريع الانهيار المالي. اليوم، تتطلب استعادة الجدوى المالية للبنان معالجة السياسات المعطّلة في البلاد – وبالتحديد، الدور المهيمن لحزب الله، الذي سيعطّل الإصلاحات لمجرد أنه يستفيد من الأزمة الوطنية على مستويات عديدة. تشمل مبادرات حزب الله توسيع نظامه المصرفي، وبيع الكهرباء والوقود، وبناء شبكة للصرافة، وشراء العقارات والشركات.
لا يبني حزب الله دولته الموازية فحسب، بل يستغل الأزمة الوطنية اللبنانية لتوسيع دوره في القطاع الخاص. فقد اتسم الانهيار اللبناني بفشل المؤسسات المالية في إعادة الأموال إلى المودعين، مما سمح لاقتصاد نقدي بالانتشار لصالح حزب الله، حيث استفادت شركة القرض الحسن المالية التابعة للحزب من مليارات الدولارات من التحويلات وشركات الصرافة وتدفق الأموال العراقية، وبالتالي ازدهرت شركة القرض الحسن وكياناتها الفرعية القائمة على النقد وسط حطام المؤسسات المالية اللبنانية التقليدية.
إنما توجد تحدّيات كثيرة يواجهها حزب الله. فجمهوره ينهار لأن جهود الحزب في الحرب السورية انتقصت من تفانيه المفترض للأمة اللبنانية، ولأنه انحاز إلى الطبقة السياسية الفاسدة ضد الشعب أثناء وبعد احتجاجات العام 2019 الوطنية. وبالتالي يجعل هذا الضعف حزب الله يولي المال أهمية أكبر في سعيه للحفاظ على هيمنته الوطنية.
كيف بدأ كل شيء
اختارت الحكومة اللبنانية، برئاسة حسّان دياب، في العام 2020 “التخلّف عن سداد” 32 مليار دولار من الديون السيادية. وبذلك، فشلت الحكومة في التفاوض مع حاملي سندات اليوروبوند أو المستثمرين ولم تقدم أي استراتيجية لمعالجة عواقب التخلّف عن السداد. مهّد هذا الإهمال الطريق للاقتصاد النقدي.
لم يكن التخلّف عن السداد أمرًا لا مفر منه. حينها، نصح مصرفيون دوليون ومحليون الرئيس اللبناني ميشال عون بالتخلّف عن السداد، ودعت الحكومة مكتب شركة لازارد للاستشارات المالية ومقره باريس لصياغة خطة للتعافي الاقتصادي. وركزت الخطة التي تلت ذلك على توزيع الخسائر الفادحة على الجهات المسؤولة عن الأزمة، أي الدولة، والبنك المركزي (مصرف لبنان)، والمصارف اللبنانية. غير أن هذه الخطة فشلت في احتساب التأثير الهائل لحزب الله وحلفائه على صنع القرار والعرقلة في البلاد.
وفقًا لبعض أعضاء التيار الوطني الحر المقرّبين من الرئيس، كانت خطة عون تتمثل في التخلّف عن سداد الديون السيادية، وبالتالي إغلاق حوالي ستين مصرفًا لبنانيًا، وإصدار خمسة تراخيص لمصارف جديدة للبدء من جديد.
كان ليكون لرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل تأثير كبير على المؤسسات المالية الجديدة. إنما اليوم، بعد ثلاث سنوات من التخلّف عن السداد، بدأت تظهر أدلة على تفعيل هذه الخطة. دعا رئيس لجنة الاقتصاد في مجلس النواب، العوني، في 3 أيار 2023، إلى جلسة لمناقشة ترخيص مصارف جديدة في لبنان. في غضون ذلك، بقي مشروع القانون الذي يسعى إلى إعادة هيكلة القطاع المصرفي في مجلس النواب طيلة العامين الماضيين.
هنا، يستحق بديل التخلّف عن السداد الانتباه الشديد. عرض البعض التماس الموافقة لتجنب هذه النتيجة، وكان من الممكن أن تؤدي موافقة حكومة دياب إلى نتائج كارثية أقل بكثير مقارنة بالوضع الحالي، لأنها قد تتضمن:
1- ركود طفيف يقل عن بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي؛
2- تخفيض معتدل لقيمة العملة، عند حوالي 30 في المائة؛
3- مصارف مفتوحة، وحفاظ على توازن الدفق الداخلي/الخارجي؛
4- بدء النمو من جديد بعد عام مع عودة التدفقات المالية.
في أثناء ذلك، أودعت المصارف في مصرف لبنان حوالي 85 مليار دولار أميركي، لكن في وقت التخلف عن السداد، أصبح من الواضح أنه لم يتبق من احتياطيات البنك المركزي سوى 35 مليار دولار أميركي. وبدلًا أن يعيد البنك المركزي تلك الأموال إلى المودعين، أنفق معظم الأموال لدعم الليرة وشراء الوقود والبضائع التي ذهب معظمها إلى سوريا من خلال التهريب.
مع معاناة البلاد من عجز كبير في الميزانية، خاصة بعد تولي عون السلطة في العام 2016، واصلت المصارف اللبنانية تمويل الحكومة بالودائع، حيث وصلت ودائع القطاع المصرفي هذه في بعض الأحيان إلى 300 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، لتحتل المرتبة الثالثة على مستوى العالم بعد هونغ كونغ ولوكسمبورغ، وكانت ثابتة في ذلك الوقت. وكلما كانت الودائع تنمو، كان ترتيب القطاع المصرفي / الحكومة يسير على ما يرام. لكنه كان هشًا – وعرضة للانهيار عند بروز أزمة ثقة. لم تقلق الحكومة التي يقودها حزب الله بشكل خاص من حدوث أزمة في القطاع المصرفي، لأن قادتها افترضوا أن بإمكانهم إعادة بناء مصارف جديدة مع مجموعة جديدة ودودة من المساهمين.
بعد موافقة دياب على التخلّف عن السداد، رأت الكتلة البرلمانية ذات الأغلبية المكوّنة من حزب الله وأمل والتيار الوطني الحر فرصة شخصية في فشل المؤسسات الحكومية والقطاع المصرفي ليعرقلوا خطة لازارد للتعافي الاقتصادي. إذ تؤكد الأرقام اليوم “عدم التداول المصرفي” في الاقتصاد: بينما في كانون الثاني 2020، تم تحديد 2.8 مليون رقم حساب في القطاع، وبحلول حزيران 2022 انخفض هذا الرقم إلى النصف، أي إلى 1.4 مليون. لم يحدث الانهيار المصرفي اللبناني من تلقاء نفسه، كما أنه لم يحدث فجأة. السياسة والفساد، وخاصة سيطرة حزب الله على مؤسسات الدولة كانت مركزية، وتوضح الأقسام التالية كيف يزدهر حزب الله وسط الاقتصاد النقدي المتنامي.
برنامج لبنان للتمويل غير المشروع ودور المصرف المركزي
تهيمن على الاقتصاد النقدي في لبنان أربع شركات: وكيلا شركة Western Union الرئيسيان في بيروت – OMT وBoB Finance، حيث يرتبط الأخير ببنك بيروت – إلى جانب CTEX Exchange، التي أصدرت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات عليها في كانون الثاني 2023، وWhish Money.
للسيطرة على الوضع بشكل تام، استبدل وكيلان لدى ويسترن يونيون – ومنافذ بيع أخرى – ستين مصرفاً لبنانياً تمّ حلها في خضم التخلّف عن السداد.
كانت لدى النائب السابق في كتلة التيار الوطني الحر، أمل أبو زيد، وشريكه توفيق معوّض السيطرة الفعلية على OMT، ثم انتقلت لاحقًا إلى نجلي أبو زيد. أبو زيد صديق مقرّب لرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، الذي يخضع منذ تشرين الثاني 2020 لعقوبات وزارة الخزانة الأميركية. (في العام 2016، عندما أصبح عون رئيسًا، تم تعيين أبو زيد مستشارًا للشؤون الروسية). تجني OMT أموالها ليس فقط من تحويلات Western Union، ولكن أيضًا، وفقًا للتقارير، من مبادرة البنك المركزي لتحصيل الأموال من سوق التجزئة وسط نقص في احتياطيات الدولار الأميركي.
الجزء الثاني
كيف يستفيد حزب الله من الأزمة المالية في لبنان… الجزء الثاني
الجزء الثالث
كيف يستفيد حزب الله من الأزمة المالية في لبنان _ الجزء الرابع
الجزء الرابع
كيف يستفيد حزب الله من الأزمة المالية في لبنان _ الجزء الرابع