تَفاقُماتُ بَحّار – الشاعر العراقي أجود مجبل
( تَفاقُماتُ بَحّار)
سأفتحُ البابَ للأشجارِ مُحتفِلًا
وأُقنعُ الشمسَ
كي ترتاحَ في الظلِّ
فالوقتُ أرصفةٌ للبيعِ
فائضةٌ
وفوقَها مُدُنٌ تمشي بلا شكْلِ
نامَتْ على قصَصِ الوُعّاظِ مُعتِمَةً
وأفطَرَتْ
بِخريفِ البُوقِ والطبْلِ
لا عُشبَ للفقراءِ الضالعينَ بها
سِوى عَراءٍ
بِوَهْمِ الغَيمِ مُبتَلِّ
مِلْءَ الدقائقِ
عاهاتٌ مُقَدَّسةٌ
والضوءُ يَهرَمُ في فانوسِه الكَهْلِ
فيها الشروقُ
وراءَ الأمسِ مُختبىءٌ
والورْدُ لمْ يتأبّطْ روعةَ الطَلِّ
ما كانَ ميراثُنا من نزْفِ وحشتِها
إلاّ طُغاةً
وتأريخًا من الوَحْلِ
في الحقلِ زَهرةُ أُوركِيدٍ
يُهَدِّدُها عصْفُ الظلامِ
بَأَنْ لا وقتَ للحقلِ
كِتابُ دمعِ الصباحاتِ الّتي سُفِحَتْ
مازالَ يُكتَبُ بالسّكّينِ
والحبْلِ
في الريحِ
داجيةً تلكَ الحشودُ مَشَتْ
تُزاوِلُ العُمْرَ
مِن قُفْلٍ إلى قُفْلِ
لا حُزْنَ في حزنِها
والأرضُ مِنفضَةٌ
وماءُ أنهارِها يحتاجُ للغَسْلِ
**********
غادرْتُ أوَّلَ أشلائي
على عَجَلٍ
كطائرٍ مِن سَريرِ الحربِ مُنْسَلِّ
لمْ أصطحِبْ في الليالي المُقفِراتِ
معي
غيرَ السنينِ التي ظَلَّتْ على التلِّ
مَلأْتُ كَفَّيَّ بالأفْقِ العَميمِ ،
كما عندي نجومٌ شريداتٌ بلا لَيلِ
أَقُودُ قُطْعانَ أحلامي
إلى جُزُرٍ
لمْ يَرتكِبْ أحدٌ شُطآنَها قَبْلي
أُوَطِّدُ السنبلَ المخلوعَ ،
أُرشِدُه لمَوعدٍ
بوصايا الأرضِ مُخْضَلِّ
وفي يدِي
عسلُ الأسرارِ مُنتظِرٌ
ـــ رَغْمَ اندلاعِ الصحارى ـــ
عودةَ النحلِ
لَدَيَّ بحرٌ بكى غرقاهُ
لي سُفُنٌ
مِيناؤها دمعةٌ تَحتجُّ في طفلِ
أُحَرِّضُ اللَّوتَسَ البحريَّ
أترُكُه لِكَي يُجَرِّبَ يومًا
نَكْهَةَ القتلِ
وأسألُ البحرَ عن جَدوى الوصولِ
وعَنْ بَحَّارةٍ فَتَنَتْهُمْ أَذرُعُ الهَولِ
أوصَيتُ نافذتي بالريحِ ،
قلتُ لها
: غدًا ستُورِقُ هذي الريحُ مِن أجْلي
سألْتُ عن عاشقِينَ الليلُ خَضَّبَهُمْ
وعن نساءٍ
تَوارَتْ في دُجى الكُحْلِ
فلمْ أجِدْ غيرَ أنقاضِ الشهورِ
وأيّامٍ تُحاصِرُها تَقطيبةُ السيلِ
يا موجةً أبحرَتْ
والبَرُّ يسكُنُها
للآنَ تحلُمُ
بالأصدافِ والرملِ
كُوني ليَ الوطنَ المَنفى
إذا نضَبَتْ كلُّ الدروبِ
ونامتْ أَعْيُنُ الخَيلِ
قلبي رصيفُ المُغنّينَ الذين مضَوا
ومَن سيُولَدُ منهم
آخرَ النخلِ
لي من سُليمانَ أحزانُ النبيِّ
ولي مِثلُ ابتسامتِه في قريةِ النملِ
**********
أجود مجبل
من ديوان ( يا أبي أيها الماء)