جديد دعم قروض الاسكان
استأنف مصرف لبنان عملية الإقراض السكني المدعوم، لكن بجرعة لا تسد رمق المتحرّقين لامتلاك منزل. فلا الرزمة المالية المتوفرة تكفي لأكثر من 1100 طلب فقط، ولا الفوائد المعمول بها تشجع ذوي الدخل المحدود على الإقتراض السكني، وإن كان مدعوماً.
الرزمة الجديدة التي أطلقها مصرف لبنان لدعم القروض الإسكانية تبلغ 200 مليون دولار فقط، وتتضمن تعديلات على شروط القرض. بعضها يساهم في توجيه القروض إلى مستحقيها من ذوي الدخل المحدود. وبعضها الآخر سيشكّل، من دون شك، عائقاً في وجه الكثير من المواطنين، الراغبين بالإقتراض السكني. كما سيُفقد حماسة المواطن لامتلاك منزل عبر قرض مصرفي، وإن كان مدعوماً.
الشروط الجديدة
من التعديلات التي طرأت على عملية الإقراض السكني، خفض سقف القرض السكني الممنوح من مصرف الإسكان للمقيمين من مليار و200 مليون ليرة (800 ألف دولار) إلى 450 مليون ليرة كحد أقصى (300 ألف دولار)، وللمغتربين تم تحديده بـ 900 مليون ليرة (600 ألف دولار). كما تم الإبقاء على سقف قرض المؤسسة العامة للإسكان من دون تعديل 270 مليون ليرة (نحو 180 الف دولار)، وذلك لحصر القروض المدعومة، بذوي الدخل المحدود والمتوسط.
أما في ما خص الفوائد، وهنا تكمن “الأزمة”، فقد اعتمد مصرف لبنان معدل الفائدة المرجعية لسوق بيروت بالليرة 9.5 في المئة، يحسم منها 4 في المئة دعم من مصرف لبنان، لتصبح الفائدة المعتمدة للقرض السكني المدعوم عبر المؤسسة العامة للإسكان 5.5 في المئة بعد أن كانت تتراوح سابقاً بين 3.25 في المئة و3.75 في المئة، أما فائدة القرض المدعوم عبر مصرف الإسكان فتبلغ حسب التعميم 4.75 في المئة.
ومن الغرابة أن يعتمد مصرف لبنان فوائد للإقراض السكني، المدعوم عبر المؤسسة العامة للإسكان، تفوق تلك المعمول بها في مصرف الإسكان، يقول مدير عام المؤسسة العامة للإسكان روني لحود في حديث لـ”المدن”، علماً أن مقترضي مصرف الإسكان هم من متوسطي إلى مرتفعي المداخيل، وليسوا محدودي الدخل أو فقراء، كحال المقترضين عبر المؤسسة العامة للإسكان.
يُذكر أنها المرة الأولى التي يفرض فيها مصرف لبنان الفوائد المعتمدة في المؤسسة العامة للإسكان، بما يفوق تلك المعمول بها في مصرف الإسكان.
أزمة مرتقبة
وانطلاقاً من الفوائد التي حددها مصرف لبنان، في تعميمه، يبدو أن أزمة جديدة ترتبط بعملية الإقراض السكني، ستخرج في الأيام المقبلة إلى العلن، وترتبط بأمرين: الأول الرفض المتوقع للمصارف باعتماد فائدة السوق 9.5 في المئة. وبالتالي اعتماد فوائد الإقراض السكني 5.5 و4.75 في المئة، باعتبار أن المصارف تعتمد فائدة السوق عند 11.9 في المئة. وهو ما كانت أكدته في اجتماعها الشهري الأخير، عندما أعلنت أن الفوائد المصرفية ستكون 5.9 في المئة للمقترضين، وسيدعم مصرف لبنان فارق الفوائد. من هنا، بات شبه مؤكد رفض المصارف ما جاء في تعميم مصرف لبنان، لجهة فوائد الإقراض.
الأمر الآخر الذي يشير إلى وقوع أزمة جديدة، هو الفائدة المعتمدة في عملية الإقراض السكني من المصارف، والمدعوم من الدولة، أي من الـ100 مليار ليرة، الإعتماد الإضافي الذي أقر مجلس النواب فتحه بتاريخ 25 أيلول 2018، في الموازنة العامة، “لدعم الفائدة على القروض الجديدة المموّلة، بالتعاون بين المؤسسة العامة للإسكان والمصارف التجارية، لذوي الدخل المحدود”.
فبعد مفاوضات حثيثة، جرت في الأشهر الماضية، بين المؤسسة العامة للإسكان وجمعية المصارف، لإيجاد صيغة حل يلائم الجميع، ويراعي ذوي الدخل المحدود، وتقل فيه الفائدة على الإقراض السكني عن 6 في المئة، لم تستجب المصارف. وتالياً، لم تسفر المفاوضات عن أي نتائج إيجابية. وهو ما يؤكد رفض المصارف المرتقب لاعتماد الفوائد الجديدة، الصادرة عن مصرف لبنان.
أما بعد اعتماد مصرف لبنان في رزمة الدعم الجديدة فائدة السوق أي 9.5 في المئة، ودعم بنسبة 4 في المئة، لتصبح فائدة القرض 5.5 في المئة، فإن ذلك سيضع وزارة المال أمام معضلة تتعلق بدعم الفوائد. إذ أن القانون الصادر عن مجلس النواب في أيلول 2018 يُلزم الدولة بدعم الفائدة بـ 5 في المئة كحد أقصى، ما يعني أن فائدة القرض السكني المدعوم من الدولة ستكون متطابقة مع تلك المعتمدة في رزمة الدعم من مصرف لبنان، وهو ما سترفضه المصارف بشكل قاطع، وفق مصدر مطلع، أو أنها ستعتمد سياسة العرقلة لملفات المواطنين.
أطلقت و”طارت”
رزمة مصرف لبنان المخصّصة لهذا العام تبلغ 790 مليار ليرة، حُسم منها 490 مليار ليرة كانت قد استهلكتها المصارف عام 2018 من حصة 2019. وبالتالي، لا يتبقّى من الرزمة سوى 300 مليار ليرة مخصّصة للعام 2019، وهي غير كافية لأكثر من 1100 طلب، منها نحو 700 طلب جرى تقديمها خلال الأشهر الماضية، بانتظار استئناف عملية الإقراض المدعوم. ما يعني أن ما يتبقى من أموال للدعم لن يكفي لأكثر من 400 طلب جديد. وحسب لحود، من المرجح أن تنفذ الرزمة الجديدة في أيام قليلة لا تزيد عن يوم الإثنين المقبل كأبعد تقدير، في حال لم تعترض المصارف على نسب الفوائد.
وعن الملفات الـ700 التي جرى تقديمها مسبقاً، بانتظار استئناف الدعم، فإنها ستخضع، وفق مصدر مصرفي، لإعادة درسها مجدداً. إذ أن معايير الإقراض تغيّرت لجهة المدة الزمنية للقرض والفائدة، وما يتبعها من ارتفاع في الأقساط الشهرية المتوجبة على المقترض.