على من يتذاكى جبران باسيل؟
كتب اندرو حبيب :
عندما يقول جبران باسيل في المؤتمر السابع للتيّار الوطني الحرّ إنّ ميشال عون حرّك شعبًا “لتحرير وطن”، ماذا يقصد تحديدًا؟ مقاومة الاحتلالين الفلسطيني والسوري في لبنان لم تنتظر وصول ميشال عون للسلطة عام 1988 لتبدأ. عشرات آلاف الشباب اللبناني انخرطوا فيها منذ العام 1975؛ والآلاف منهم قضوا بمعارك قاسية مع زبانية الأسد وعرفات، في بلّا، والفياضيّة، وقنات، والأسواق، وزحلة، على سبيل المثال لا الحصر.
منذ سنوات، يصرّ الخطاب العوني على تصوير ميشال عون كبطل “التحرير” اللبناني من الاحتلالات. تتعامى هذه السرديّة عن حقائق أربع هي التالية:
(1) – كان ميشال عون ضابطًا برتبة متوسّطة في الجيش اللبناني عندما بدأ العدوان السوري – الفلسطيني على لبنان. من حرّك شعبًا “لتحرير وطن” هي الجبهة اللبنانيّة آنذاك، لا ميشال عون. ربط التحرير أو المقاومة اللبنانيّة باسمه تعمية على 13 عامًا نضالًا سبقت وصوله إلى السلطة عام 1988.
(2) – الشباب الذين تركوا أعمالهم ومدارسهم وجامعاتهم لمواجهة الاحتلال صاروا لاحقًا “ميليشيات” و”زعران” في الخطاب العوني. بالمقابل، القوميّون السوريّون، حزب حبيب الشرتوني، صاروا حلفاء.
(3) – الاتّفاق الثلاثي عام 1986 كان سلّم لبنان إلى سوريا، لو طبّق. من يومها تتواتر أخبار، بما فيها ما ذكره إيلي حبيقة بأكثر من مناسبة قبل اغتياله، عن أنّ ميشال عون كتب الجانب العسكري من الاتّفاق، أي أنّه كان شريكًا صامتًا فيه.
(4) – بخلاف حرب المئة يوم، عام 1978، التي أفضت إلى طرد الجيش السوري من الأشرفيّة، أو حرب زحلة، عام 1981، التي أبقت السوريّين خارج المدينة، أدّت حرب التحرير السيّئة الذكر عام 1989 إلى سقوط آخر جيب لبناني حرّ بقبضة حافظ الأسد. كيف يعني أنّ ميشال عون قاد شعبًا “لتحرير وطن” عندما يكون إطباق الاحتلال التامّ على البلاد النتيجة الحقيقيّة لمرحلته في السلطة؟
ثمّ، ماذا يعني أنّ الحركة العونيّة هي “14 آذار الأصليّة”، فيما 14 آذار الثانية “مزوّرة”؟ من رفيق الحريري إلى محمّد شطح، مرورًا ببيار الجميّل، وجبران تويني، ووليد عيدو، وآخرين كثر، سقط من 14 آذار “المزوّرة” شهيد تلو الآخر، في حين أنّ أمن النوّاب والوزراء العونيّين، فضلًا عن أمن ميشال عون نفسه طبعًا، لم يكن مرّة مهدّدًا.هذه الزاوية تكفي لتوضيح هويّة من تخلّف عن المعركة السياديّة، ومن تابعها. من هو، والحال هذه، “الأصلي”، ومن هو “المزوّر”؟ سؤال لا يصعب على البداهة البسيطة الاجابة عليه.
17 تشرين “ثورة ملوّنة”، بحسب باسيل، وتيّاره وحده “الثورة الحقيقيّة”. واقع الأمر أنّ جبران باسيل قال بتيّار المستقبل ما لم يقله مالك بالخمر، لجهة جعله بؤرة الفساد الاولى، وعدوّ المسيحيّين المرير، و”داعش بكرافات”، قبل أن تنقلب الأمور لاحقًا الى التحالف الوثيق، و”ما في نوى إلّا سوا”، حتّى كاد سعد الحريري يصير مدير حملة “صديقه جبران” الانتخابيّة بالبترون. ولا ضرورة للتذكير طبعًا أنّ باسيلًا وصف نبيه برّي بالبلطجي، قبل أن يعود لاحقًا ويتحالف معه، تمامًا كما يتحالف معه اليوم. من يكون، والحال هذه، “المتلوّن”؟ 17 تشرين، أم معاليه؟
لا تتّسع هذه العجالة لتفكيك كلّ نواحي خطاب باسيل. يكفي الاشارة إلى أنّ ثوابت الرجل معدومة، سوى اثنين: التحريض الدائم على القوّات اللبنانيّة؛ والتبعيّة الأكيدة لحزب اللّه. بالحقيقة، حلم الوصول إلى الرئاسة خلفيّة المعطيين: من جهة، القوّات منافس ماروني ينبغي تحطيمه (الأمر عينه صحيح، بالمناسبة، عن سليمان فرنجيّة)؛ ومن جهة ثانية، حزب اللّه هو نواة السيستم اللبناني الصلبة، وباسيل يأمل بأن توصله “بندقيّة المقاومة” إلى سدّة الرئاسة، كما أوصلت … سواه. هذا كلّ شيء. الباسيليّة اجترار لمدرسة لم تقدمّ منذ ثلاثة عقود غير جشع إلى السلطة لا يحدّه رادع أخلاقي، ويرفده سَيل شعارات، وخطب، واتّهامات، هي كلّها قرقعة طبل فارغ، لا أكثر.
قبل أشهر، توجّه طلّاب جامعة سيّدة اللويزة لاختيار ممثلّين عنهم. لم يفز عوني واحد في تلك الانتخابات. ولا فاز عونيّون في الأميركيّة؛ ولا اللبنانيّة – الأميركيّة؛ ولا اليسوعيّة؛ ولا في أي جامعة، أو نقابة، جرت فيها انتخابات.
جبران باسيل نفسه كان هدف عاميّة 17 تشرين الأوّل، والـ”هيلا هو” تطنّ بالآذان إلى الساعة. شباب لبنان، ونخبه الطالبيّة، والنقابيّة، لفظوا التجربة العونيّة؛ المغتربون يتحرّقون للاقتصاص منها؛ كلّ استطلاعات الرأي تشي بتراجع أكيد بشعبيّة التيّار، ولكنّ باسيل مصرّ أنّه الانقاذ، والتغيير، والثورة الحقيقيّة، وسائر الكليشيهات التي تحاصرنا منذ عقود. متى يتعب هذا الرجل، وعلى من يتذاكى؟