لبنان

الانتخابات بين الانضباطية القواتية والتشرذم العوني

كتب جورج العاقوري

لا يختلف إثنان على أن الحياة الحزبية في لبنان لم تبلغ سن الرشد بعد لتصبح بعراقة الحياة الحزبية في الغرب، ربما لأن مجتمعنا في الأساس لا يمتلك من التنشئة على الديمقراطية ما يكفي أو كوننا عاطفيون بحكم طبيعتنا الشرقية أو لأننا نعيش منذ الاستقلال مواجهات وجودية تحكمت بالأولويات.

من حيث المبدأ، الاحزاب تستمد مشروعيتها من مدى تمثيلها الشعبي ومحاكاة طروحاتها العقائدية لهموم الناس ولهواجسهم الوجودية ومناقبية ممارستها في السياسية. فيما الثقافة الحزبية هي عمل تراكمي جماعي من ركائزه الانضباطية ومن مميزاته التعاضد الذي يترسّخ كلما عاش الافراد معاناة مشتركة وإضطهاد ونضال.

إلا ان في لبنان، ثمة احزاب مطبوعة بشخصية قياداتها التاريخية وثمة أحزاب لا تعدو كونها أفراداً وبيوتات سياسية سعت لإمتلاك يافطة حزبية لإعطاء نفحة من الحداثة على عملها السياسي وثمة أحزاب مشلّعة الأجنحة وأخرى تفوقها المجموعات الحزبية المنبثقة منها عدداً وفاعلية.

يبدو أن إنعكاس الانتخابات النيابية للعام 2022 على الاحزاب وتحديداً ذات الطابع المسيحي في لبنان بدأ يتظهر قبل موعد صناديق الاقتراع في 15 ايار المقبل. في هذا الاطار، يشكل “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” الحزبين الوازنين من حيث حجمهما الشعبي والتنظيمي ومروحة علاقاتهما السياسية المحلية والخارجية ودورهما المؤثر. فيما الاحزاب الاخرى كـ”المردة” أو “حركة الاستقلال” مناطقية و”الكتائب” و”الكتلة” و”الاحرار” تسعى لتجديد شبابها بعدما صابها المشيب.

تعتبر الانضباطية ضريبة من يختار العمل الحزبي لكنها نقطة قوة. في المقابل، لا حياة سياسية جدية وناجحة ومثمرة ترتكز على العمل الفردي بل الحزبي. لذا ما تشهده مسألة الترشيحات في “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” تظهر مدى حقيقة هذه الانضباطية وتالياً مدى منسوب الثقافة الحزبية.

نجحت “القوات” بسلاسة بإستبدال خمسة من نوابها الحاليين بمرشحين جدد، فيما الاستقالات والعتب والحرد تواجه كل إستبدال لدى “التيار”. فرغم عدم ترشيحهم مجدداً، يلاحَظ ان نواب “القوات” يواصلون عملهم فنرى النائب عماد وكيم في إجتماع اللجان والنائب ادي ابي اللمع يقدم إخباراً. في الاساس، يكرّر المسؤولون القواتيون وفي طليعتهم النائب السابق أنطوان زهرا مقولة “نحن كالرهبان ساعة رئيس دير وساعة راهب بالحقل” وهو أقرن القول بالفعل رغم عدم ترشيحه العام 2018.

بينما في “التيار”، أعلن النائب حكمت ديب في 1/3/2022 عن إستقالته من “التيار” مؤكداً أنها “لم تأت نتيجة عدم ترشيحه للانتخابات النيابية فقط، بل بسبب العديد من الاعتراضات على سياسة الحزب”. أما النائب ماريو عون فأعرب عن إنزعاجه الكبير من موقف قيادة التيار قائلاً في تصريح في 4/2/2022: “ما عم بقدر صدق أنني محطوط stand by فكأن القيادة تقول لي إنني نائب فاشل وهذا الأمر ليس لا من الحكمة ولا من الذكاء فأنا كنت ولا أزال في الصدارة بحسب الاحصاءات. مشكلتنا في التيار داخلية ومن يحاول ضربي هم من الداخل”. أما النائب زياد اسود الذي يترنح ترشيح “التيار” له، فيقول: “شو بيبقى للتيار اذا ما ترشح زياد اسود؟ شو انا لقيط او جايي بالصدفة؟”.

ثمة ظاهرة لدى العونيين، هي “ثنائيات الكباش” في أكثر من دائرة إنتخابية من جزين والقصف العشوائي بين زياد اسود وأمل ابو زيد، مروراً بكسروان و”النيران الصديقة” من روجيه عازار بحق ندى البستاني وصولاً الى جبيل والقنابل الدفاعية لسيمون ابي رميا بوجه قياديين في “التيار”. بعضهم ينشر غسيله الداخلي عبر وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي ولا يمكن التذرع بحق التعبير عن الرأي لأن اي تعبير عن الرأي بالامور الحزبية يعرض في الاطار الداخلية.

إنتخابات 2018 أظهرت جدية طرح “فصل النيابة عن الوزارة” الذي إلتزمت به “القوات” قولاً وفعلاً، فيما سقط من قاموس “التيار” بمجرد فوز باسيل بالنيابة رغم أن العونيين كانوا يزايدون برفع لوائه. فهل ستكرس إنتخابات 2022 ترهّل الاطار الحزبي العوني مقابل تجدّد القواتي؟!!

Show More

Related Articles

Back to top button