جبران باسيل بين “الخبطة” و”التخبُّط”
كتب جان الفغالي في نداء الوطن:
من خارج سياق التطوّرات والملفات الساخنة، التي تفرض نفسها، أطلّ رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل لإطلاق مشروع الدولة المدنية تحت عنوان «لبنان المدني».
الدعوة جاءت كالتالي: «التيار الوطني الحر وشخصيات مستقلة»، لنقرأ بين المتكلمين: الوزير السابق عدنان السيد حسين، والوزير السابق عصام نعمان والوزير السابق حسن مراد. في شكل الدعوة، هل هؤلاء الوزراء مستقلون؟
عصام نعمان قيادي في «الحركة الوطنية» التي «حَلَّت» نفسها بعد اجتياح 1982، وبعد ربعِ قرنٍ تقريباً، عيِّن وزيراً في أول حكومات عهد الرئيس إميل لحود.
عدنان السيد حسين هو «الوزير الملك» في إحدى حكومات الرئيس سعد الحريري في عهد الرئيس ميشال سليمان الذي كان عيّنه مستشاراً له في قصر بعبدا، وظهرت «استقلاليته» بأبهى حللها حين استقال عند استقالة الوزراء العشرة من منزل العماد ميشال عون في الرابية لإسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري حين كان مجتمعاً مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، وجاءت استقالته بناءً على تمنٍّ من الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، و»كوفئ» بعد ذلك بأن عيِّن رئيساً للجامعة اللبنانية.
وحسن مراد هو نجل عبد الرحيم مراد (رئيس حزب الإتحاد الموالي لسوريا) ووريثه السياسي والحزبي والوزاري.
إذًا، الوزراء الثلاثة الآنفو الذكر لم يكونوا يوماً «شخصيات مستقلة» كما جاء في نص الدعوة، بل إن الجامع المشترك بينهم هو قربهم من سوريا ومن حزب الله.
هذا في الشكل، والشكل في أحيان كثيرة يوازي المضمون إذا لم يتقدّم عليه.
في المضمون، كلمة النائب باسيل التي أُعدَّت بعناية، فيها الشيء وعكسه في آن، فهو يقول: «من قلب هذا النظام لا يوجد حلّ إلّا بتغييره أو تعديله أو تطويره».
تغيير النظام يعني نسف الطائف، «تعديله أو تطويره» يعني البقاء على الطائف. أليس هناك من تناقض بين «نسف النظام» أو»تعديله»؟
في مكان آخر تقول الوثيقة: «إستكمالُ تطبيقِ الوثيقةِ (وثيقة الطائف) وتطويرُها. كيف يكون ذلك فيما يقول باسيل قبل ذلك «لا يوجد حلّ إلا بتغيير هذا النظام؟».
ونصل مع النائب جبران باسيل إلى بيت القصيد حين يرِد في الوثيقة: «ويجوزُ لنا هنا التفكيرُ جِدِّياً بانتخابِ رئيسِ الجمهوريةِ مباشرةً منَ الشَّعبِ».
لنناقش ما «فكَّر به باسيل»…
عدد الناخبين السنَّة 1.176.602
عدد الناخبين الشيعة 1.156.692
مجموع عدد المسيحيين 1.363.613
أي السنَّة وحدهم أو الشيعة وحدهم، يشكلون مجموع المسيحيين إلا قليلاً.
إذا صدر تكليفٌ شرعي من حزب الله بانتخاب مَن يسمّيه حزب الله، كما يفعل في الإنتخابات النيابية، فهل هكذا يكون باسيل قد حقّق «الدولة المدنية»؟
هناك فرق بين «الخبطة» الإعلامية والسياسيّة، والوزير باسيل بارعٌ فيها. وبين «التّخبّط» الإعلامي والسياسي الذي يقع فيه الوزير باسيل، أو يوقعونه فيه.
«الدولة المدنية»، كيف يمكن تحقيقها في ظروف تبدو فيها الطائفية، وحتى المذهبية، مزروعة حتى النخاع؟ «الدولة المدنية «تستلزم أن يقدِّم الشعب القناعات المدنية على القناعات الطائفية. هذا الشعب ما زال يتحدّث بمنطق: «نحنا وهنِّي. عندن وعنَّا. شرقية وغربية». ويقيم الدنيا ولا يُقعدها على توظيف محجَّبة في الـ ABC. ويهتمّ لأسابيع بصليب إثنين الرماد على جبهة أحد الطلاب في إحدى المدارس»المدنية».
هل هذا الشعب باتت لديه «المناعة المدنية» الكافية ليكون هو مَن ينتخب رئيساً للجمهورية؟
حضرة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل: تمهَّل!
ألا تلاحظ أن حليفك وشريكك يعيش في ما يشبه «دولة دينية»؟