حجر الألف في عيون الشاعرة حكمت حسن
كتبت الشاعرة حكمت حسن في روايتي:
حجر الألف
حجر ينتظرك أثناء سقوطك صوب القعر ، يقبع هناك كي لا تواصل أنت الهبوط السّريع ، أو البطيء ، وهوحجر غير مرئيّ ، فقط هو هناك ، في مهمّة لم تكن لتدركها إلّا حين تشعر أنّ شيئًا ما أوقف انزلاقك ، تدحرجك .
ها إنّه يسندك لتقف ، وقد طالعته في رواية ، وتكون على مقربة من الحكم على نفسك ، ذلك الحكم الّذي لم يكن ليرحمك لولا اصطدامك الفعليّ في حيوات شخصيّات الرّواية ، والّذين تقاطعت حيواتهم في منطقة جغرافيّة يقينيّة مع منطقة فكريّة شعوريّة يقينيّة ، وحدس معرفيّ مختمر ، مشبع بالعمق والإرادة للرّؤية من قبل روائيّ قادر على استحضارك إلى عالمه الرّوائيّ ، وإبقائك معه على مدى 276 صفحة، والمغادرة وإيّاك في رحلة صعودك الّتي ستّتخذها قرارًا حتميًّا ، بعد أن تشكر ” حجر الألف” على التّدخّل في مسارك في ذلك الوقت الصّحيح .
” حجر الألف” رواية / بحيرة ، تعبر فوقها رياح جليديّة ، تجمّد سطحها ، فيبدو للقارىء كزجاج لامع ، رقيق ، لن تدوسه تجنّبًا لما سيسقطك فيه من مآزم ، إذ ذاك يدفعك فضولك للاقتراب منه بحذرِ، مقتطعًا منه جزءًا لترى مدى تماسكه، وتعاين سماكته، وتتفحّص ما تحته ، فيزول اعتقادك أنّه قشرة ، ما إن تكتشف فيه مدى نتوءاته ، واتّصاله بما هو أعمق فأعمق.
يجعلك الرّوائيّ عمر سعيد تغوص شيئًا فشيئًا في الأعماق ، وترى مقدار تشابك حيوات الشّخصيّات الّتي تناولها في روايته، من العجوز الثّمانينيّ الّذي يعتاش بما خبره الكاتب معه في ذلك اليوم المضني، إلى الولدين اللّذين لم تسعفهما اللّغة في شراء ما يريدان ، إلى الفتاة المولودة في عربة خيش والّتي تشترط لمن يتزوّجها أن يجرّ العربة بها ، إلى بائع الأوزان الّذي لا يساوم قيمه كي يحلم بمال ليكمل تعليمه ، إلى عازف بوتر مقطوع ، إلى الزّوجة المغتصبة وزوجها والعجوز الّذين تسلب الحرب منهم رغباتهم وتمتصّهم وتتركهم بلا حراك ، إلى شهادات هاربين من مجتمع ذي ستائر كثيفة بشعة بما تفرضه على أبنائها من أحكام ، تسحق طفولتهم وتختبىء بنفسها خلف أقنعة جهل وظلم وتستّر بستار التعليم الببغائيّ الّي لا يفسح للإبداع ، إلى الرّاقصة الّتي فقدت قدرتها على الرّقص ، إلى الكثيرين غيرهم ممّن اثّثوا مخيلة الكاتب ، ويؤثّثون الآن ذاكرتنا ، نحن قرّاء هذا العمل الأدبيّ.
هذا السّطح المتجمّد والّذي يبدو لك شفّافًا، نرى أنّه يخزّن داخله متحجّرات شعوريّة، احتاجت لخبرة الكاتب ، فسبرها وتفحّصها مظهرًا أنّ ما نعتقده راكدٌ ، يفاجئنا بمدى عنف تيّاراته ما تحت السّطحيّة ، إذ إنّه قد اختار لروايته النّاس الّذين هم في القاع، والّذين لا يراهم أحد في سيره اليوم من العمل وإليه .وكلنا يعرف أنّ السّطح المائيّ المتجمّد قد يريك ما بداخله إذا جعلته شفّافًا صافيًا ، وهذا ما فعله الرّوائيّ عمر سعيد إذ خفّف من سماكة المادّة الّتي تفصلنا عنه ، وعن فكره وجعلنا ندرك ، نرى ، نلمس ، ونشمّ حين وضع في الرّواية خلاصة فكره في نصوص أصليّة من فصول الرّواية ، وهي لم تحمل عناوينًا ، بل إنّ الكاتب تعمّد تركنا في تلك المساحات لنتعرّف إلى رؤيته في اللّغة والمخاوف الّتي يتشارك بها الكاتب والقارىء أمام النّصّ ، وإلى الوطن الطّارد لأبنائه وغيرها من القضايا الّتي تناولها وتركت لنا أفكارًا للتّفكّر والنّقاش ،
يرافق الكاتب في رحلته منديل أمّه ، وحدته ، غربته وعددًا من الخطى ، والّتي وإن كان قد أحصاها فهي خطوات قرّبت المسافة بين يده وال” كروم بوك” فكانت هذه الرّواية.
حكمت حسن
14-2-2022