المسيحيون و”اللوثة العونية”
كتب جورج العاقوري على موقع ميديا فاكتوري نيوز
“تبدأ المارونية فينا حين نلتزم فضائل الخير والعطاء والمحبة والصمود والكرامة والعنفوان. وتنتهي فينا حين يتملكنا الحقد والحسد والكراهية والانتقام وروح الاستسلام”، هذه الكلمات القليلة مما حملتها عظة رأس الكنيسة المارونية وبطريركها الثامن والسبعين مار بشارة بطرس الراعي في القداس الاحتفالي بعيد أبينا مار مارون في 9/2/2022 تصلح لتكون جواب مقتضباً على المقال بعنوان “بين القائد عون والزعيم جعجع” للصحافية رندلى جبور التي إختارت صبيحة اليوم المبارك لنشره وكنت آليت على نفسي عدم التعليق في اليوم نفسه إحتراماً لقدسية 9 شباط ووقارها في وجداننا وعدم العودة الى جروح الماضي منذ مصالحة معراب ولكن للضرورة أحكام، فالسكوت عن الحق شيطان أخرس.
مقال يجسّد “اللوثة العونية” التي أبتلى بها اللبنانيون عموماً والمسيحيون خصوصاً. إنها “لوثة” أخلاقية وفكرية وإعلامية نهشت الجماعة المسيحية عام 1988 وتسببت جراء حروبها العبثية وأحلامها الرئاسية بخسارتهم الحرب ونهشت المجتمع اللبناني خصوصاً مع وصول العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية عام 2016 وإنقلابه على كل تعهداته وتسببه بالاسراع من وتيرة الانهيار غير المسبوق الذي وصل اليه لبنان في عهده.
ينطلق المقال من فرضية أن “المقارنة لا تجوز، إلا أنه في ظل الخلط القائم ووضع الجميع وكأنهم متساوون في القيادة وخصوصاً في المجتمع المسيحي، لا بدّ من الإضاءة على الفرق بين قيادية الرئيس ميشال عون وزعامة سمير جعجع”، فيما المقارنة لا تجوز إلا في عقول من يدمنون تأليه الشخص. أما الخلط بين صفات القائد والزعيم والقيام بإسقاطات في غير مكانها فيجوز فقط في قاموسهم.
صحيح أن “القائد هو من يمتلك الرغبة بينما الزعيم هو العاشق للسلطة” كما يقول المقال، لكن الأصح أن الجنرال عون كان دائماً راغباً لا بل “مهووساً” بالسلطة وأنه حاول بعد عودته من تونس في 3 شباط 1989 أن يقدّم أوراق إعتماده للوصول الى رئاسة الجمهورية عبر ضرب “القوات اللبنانية” في 14 شباط 1989 وفشل. كما لم يكن هناك عرض من الاخضر الابراهيمي بمشاركته في الطائف مقابل وصوله للرئاسة. هو من مارس الإلغاء تلوَ الالغاء لذا تغليف حربه ضد “القوات” بعنوان “توحيد البندقية” سقط بحكم الواقع وعرفت بـ “حرب الإلغاء”.
صحيح أن “القائد هو الذي يبث الحماس في نفوس الناس أما الزعيم فهو الذي يزرع الخوف في دواخلهم”، لكن الاصح أن الجنرال عون تخطى حدود الحماس الى الشعبوية لا بل الديماغوجية. كما أنه بممارساته خصوصاً عبر ورقة “مار مخايل” حال دون إكتمال ثلاثية “الحرية والسيادة والاستقلال”. فأي سيادة والحدود مستباحة وقرار الحرب والسلم مخطوف والسياسة الخارجية خارج إطار الدولة؟!! وهل سلاح “حزب الله” الذي إستباح بيروت في 7 أيار 2008 وغزا عين الرمانة بالتكافل والتضامن مع حركة “أمل” في 24 تشرين الاول 2021 هو من نسج خيال سمير جعجع؟!!
صحيح أن “القائد هو النحن أما الزعيم فهو الأنا”، لكن ألاصح أن الجنرال هو مسكون بـ”الأنا” منذ قوله مزهواً عام 1989 “Je suis president et 6 ministres”، أما ديمقراطية “التيار” فخير تجسيد لها “توريث” صهره النائب جبران باسيل.
صحيح أن “القائد يبحث عن الحلول أما الزعيم فيلوم الآخرين على المشاكل”، لكن الأصح أن الجنرال وتياره أصحاب شعار “ما خلونا”.
صحيح أن “القائد يواجه أما الزعيم فيهرب من المشاكل”، لكن ألاصح أن الجنرال عون خير من جسّد الهريبة في 13 تشرين بعد 47 دقيقة على بدء الهجوم والأصح ان ابطال الجيش اللبناني المغرّر بهم يومها تركوا وحيدين في ساحة الشرف وضهر الوحش خير شاهد.
صحيح أن “القائد يحب أما الزعيم فمجرد من العاطفة” وأن “القائد يشجّع أما الزعيم فيعاقب” و”القائد مرتبط بالانسانية أما الزعيم فبمزاجيته”، وألاصح ان الوقائع تثبت أن ما من حب أعظم وإنسانية أسمى من أن يختار المرء المعتقل ولو 4114 يوماً ولو في ثالث طابق تحت الارض ولو إنفرادياً ويرفض عرض “يا الوزارة يا النظارة” والخروج مع زوجته خارج البلاد. من يحب يبقى مع أحبائه على الحلوة والمرة.
صحيح أن “القائد صاحب خيار أما الزعيم فصاحب رهان”، صحيح أن “القائد صاحب رؤية أما الزعيم فإبن الآنية”، والاصح ان الارتهان والآنانية يحوّلان اي قائد ليس الى زعيم بل الى عديم…