محنة باسيل..!
لمن توجّهَ جبران باسيل في خطابه يوم الأحد: لحسن نصرالله.. ليستعطفه! أم للمسيحيين ليحرّضهم على « شيعة نبيه برّي » وعلى « السُنّة » خصوصاً! في الحالتين، خطابه كان خطاب « عوني » موتور يطلب « رئاسة » (وليس « سلطة ») من حزبٍ دمّر لبنان، ومعيشة أهله، وجاهرَ بانتمائه للدولة الإيرانية!
باسيل كل شيء إلا.. رجل دولة! هو « بيتاني »، مثل عمّه الذي تسلّم دولة فجعلها « محمية » إيرانية! باسيل ينبغي أن يُحاكَم!
لم يكن « جبران جرجي باسيل » معروفاً قبل زواجه من كريمة الجنرال عون! فهو من عائلة بترونية لطالما كانت تدين بالولاء لعائلة « ضو »، ومن خلفها إلى « زعامة الشمال »، من حميد فرنجيه الى الرئيس سليمان فرنجيه، ومن بعده حفيده سليمان فرنجيه و« تيار المردة ».
انضم الى صفوف التيار العوني ليجد موقعا ومكانا له. شغوفٌ بالوصول السريع، وكان سبقه الى الانضمام الى التيار والنضال في صفوفه، الراحل انطون الخوري حرب ومارك منعم ويسرى البيطار، والعديد من ابناء البترون الذي سبقوه، ليضعهم لاحقا خلف ظهره، بعد ان تعرّف الى ابنة الجنرال وجمعهما الزواج!
وجد الجنرال في « جبران » ضالته المنشودة! هو « الذكر » الذي لم ينجبه، ففضّله على سائر الدائرة المحيطة به، من أصهرة واقارب، وأعلى شأنه عليهم. فكانت رغبات باسيل أوامر لا تُرد، ولا تُناقَش، والمعترضون تتم احالتهم الى الجنرال ليؤكد رغبات الصهر!
خلافا لسواه من السياسيين من غير الورثة، من ابناء العائلات السياسية المعروفة او من الذين تسلقوا سلم الدرجات الحزبية ليدخلوا عالم السياسة، لم يسعَ باسيل الى انتزاع شرعية حضوره السياسي! فاعتبر شرعيته « تحصيل حاصل »، ومن باب « لزوم ما لا يلزم »! وبدأ ينافح السياسيين التقليديين، والذين دخلوا السياسة على جثث آبائهم، من موقع الند للند، وصولا الى ممارسة الاستعلاء عليهم، منفردين ومجتمعين!
« وزنات » باسيل!
أوكله عمه بالتفاوض نيابةً عنه وعن « التيار »، قبل العودة من باريس، وبعدها، والى اليوم. فأثار حفيظة التياريّين القدماء والمناضلين الاوائل. وعندما حاول البعض منهم الاعتراض، كان صالون الجنرال يُقفل في وجههم من دون سابق انذار. ومنهم من تم طرده حتى قبل دخول جنة « الرابية » سابقا، و« بعبدا » لاحقا.
نسج جميع تفاهمات التيار، مع حزب الله، وتيار المستقبل، ووقّع نيابة عن عمه وتياره « اتفاق معراب »، حتى قال الجنرال يوما: « أعطينا جبران وزنة فجعلها عشر وزنات »!
قلة خبرته السياسية والنعمة السياسية التي هبطت عليه من دون تحضير مسبق، فضلا عن اعتداده بنفسه وثقته المفرطة بقراراته وخيارته نتيجة ثقة الجنرال العمياء به، جعلته يخبط خبط العشواء في السياسة! خطابات متناقضة، ومواقف شعبوية، تستلهم غرائز المسيحيين عموما والموارنة خصوصا، منها بعض من خطابات الرئيس الشهيد بشير الجميل، ومنها من خطابات عمه الشعبوية، حين كان مغتصبا للسلطة في قصر بعبدا، على شيء من ذاتية جبران الوصولية.
يدور باسيل حول نفسه يخاصم الجميع، من دون حزب الله! يتنكر لتفاهمات عقدها ويحمّل الطرف الآخر مسؤولية نقضها، إلا تفاهم “مار مخايل” ينقضه حزب الله، فلا يتجرأ باسيل على المساءلة والمحاسبة! تحدث تفاهم ثنائي “مار مخايل“، عن إعادة المبعدين الى إسرائيل، فلم يعد احدٌ منهم، وصمتَ باسيل صمت القبور؟!
في خطابه الاخير، استعاد باسيل بعضا من ادبياته السابقة. فهو مقبل على الانتخابات وتياره، وسط نقمة شعبية وانهيار اقتصادي في عهد عمه، لم يشهد له لبنان مثيلا. فضلا عن وضع باسيل وعدد من المقربين اليه على لائحة العقوبات الاميركية بتهمة الفساد، وسط عجز كامل، من الجنرال العجوز وصهره ومستشاريه الذين ورثهم من عهد الوصاية السورية، عن اجتراح اي حل، او مبادرة فعلية لاخراج لبنان من مآزقه التي وضعه فيها “حزب الله“، بغض نظر حينا، وتواطوء، حينا آخر، من التيار العوني ورئيسيه الفخري والفعلي.
لا يختلف لبنانيان على ان “حزب الله” أهدى الجنرال كرسي الرئاسة، وأخذ منه كل السلطات، فها هو وزير برتبة « عريف » في« الثنائي » ينهر الجنرال في آخر اجتماع لحكومة « معا للانقاذ” » برئاسة نجيب ميقاتي، فيعترض الجنرال بالانسحاب من الجلسة، لتتوقف بعدها جلسات الحكومة حتى إشعار آخر!
يتخبط باسيل عشية الانتخابات، فتبادل الادوار بينه وبين حليفه “حزب الله” لم يعد يجدي نفعا، وحيله لن تنطلي على اللبنانيين. وتسريب فيديو لباسيل في قرية “الدوق” البترونية“، قبل الانتخابات السابقة، يتهم فيه رئيس المجلس النيابي نبيه بري بـ“البلطجي” ليعود فيصوت له رئيسا للمجلس النيابي بعد الانتخابات، لعبة ممجوجة، بحجة ان بري هو « القوي في طائفته »، وتاليا هو الاحق بتمثيلها في السلطة!
وما يسري على الرئيس بري، لم يسرِِ ِعلى الرئيس الحريري، في خطاب باسيل، مع انه « الاقوى في طائفته »! لكن كان سهلا على باسيل، ليس فقط التنكر للتفاهم معه، بل عدم تسميته، مرتين، رئيسا لتشكيل الحكومة، وتسمية شخصية مغمورة، هي حسان دياب، لتشكيل حكومة، ومن بعده نجيب ميقاتي.
كيف اندلع « حراك ١٧ نشرين الأول، ٢٠١٩ »؟
في الثالث عشر من تشرين الاول/اكتوبر من العام 2019، أرغى جبران باسيل، وأزبد، في احياء ذكرى فرار عمه من قصر بعبدا الى سفارة فرنسا (منتصراً!). فتوعد اللبنانيين انه و« تياره السيل الجارف الذي سيجرف الجميع، وسيقلب الطاولة، فوق رؤوس الآخرين (؟!) الذين لم يُِسمِّهم، مع ان عمه يتولى رئاسة الجمهورية، وهو (باسيل* يرأس أكبر كتلة نيابية ووزارية! فقط أعلن « قلب الطاولة »، من دون ان يحدد على رأس من، وكل ذلك بعد اجتماع مطول (قيل أنه استمرّ سبع ساعات) مع « راعيه »، أمين عام الحزب الايراني.
في17 تشرين/أكتوبر ٢٠١٩، وبتنسيق مسبق مع ما يسمّى “الثنائي الشيعي”، خرجت تظاهرات ظهرا في العاصمة في اتجاه المصرف المركزي، لاسقاط الحاكم، كما كان يطالب باسيل. وقُطعت الطرقات في مناطق ذوق مصبح وجل الديب المسيحية. وكان ذلك بذريعة الاحتجاج على ضريبة 6 سنت على خدمة « الواتس اب »، وبهدف التخلص من حكومة الرئيس الحريري، والانقلاب على التفاهم معه، بعد الانقلاب على « التفاهم » مع الـ« القوات »، ليستأثر باسيل بالحكم مع شريكه “حزب الله”.
ولكن حساب « السيل الجارف » خالف توقعات باسيل، وشريكه! فخرج الناس الى الشوارع غاضبين، ومساءا هتفوا ضد باسيل والحزب، لتنقلب الطاولة على رأس باسيل، من حيث لا يدري، وليصبح السيل جارفا لباسيل وعمه وتياره وكل من تحالف معه!
« الأخرون ».. ما خلّوني
في خطابه الاخير، جدد باسيل هجومه على رئيس المجلس النيابي، واستخدم على جري عادته صيغة المجهول ليتهم “الآخرين” بتعطيل عهد عمه. فـ« الآخرون » عطلوا خطة باسيل للكهرباء، ويمكن ان يكونوا « تيار المستقبل » حينا، ودائما « حزب القوات اللبنانية »، وحينا آخر، « حركة أمل »، ولكنه غير مسؤول عن تولّيه وتياره وزارة الطاقة، لاكثر من 11 سنة، ما فاقم الدين العام اكثر من 45% نتيجة سياساته الفاشلة وجشعه وطمعه! فصرف اكثر من 45 مليار دولار، على مؤسسة تراجعت التغذية بالتيار الكهربائي فيها من 16 – 18 ساعة يوميا الى اقل من ثلاث ساعات!
و« الآخرون » هم الاميركيون، الذين تَوجَّهَ اليهم مباشرة، طالبا منهم رفع الظلم عنه، برفع العقوبات عنه، لأنه “ليس فاسدا“، على حد قوله! وهو يعرف تمام المعرفة ان طريق رفع العقوبات لا يمر في الولايات المتحدة بالتمني، وطلب الاسترحام، بل عِبر المحاكم وتبيان الوثائق التي تدحض تلك التي أدين يموجبها بتهمة الفساد!
والآخرون هم، طبعاً، حزب “القوات اللبنانية” الذي يطيب له ولسائر قيادات تياره، مهاجمتهم بسبب او من دونه! لأن مهاجمة “القوات” في وجدان العونيين، تنتج عنها المكاسب الانتخابية. فيفتح باسيل دفاتر الحرب الاهلية، استنسابياً، ويتهم “القوات” بكل موبقات الحرب، وصولا الى تخيير اللبنانيين بين “مار مخايل” و« الطيونة »، ليعيد اتهام “القوات” بافتعال احداث « الطيونة » قبل شهرين، وليشيد باتفاق “مار مخايل” الذي، وبحسب باسيل، حمى ويحمي المسيحيين، غامزا من قناة موتورين اسلاميين هاجموا محلة الاشرفية ذات يوم، ليبرر جنوحه وعمه الى اتفاق “مار مخايل“، وهدفه من ذلك كله أن « يُشيطن » السنّة في لبنان، ويتهمهم بالتعصب والتطرف، ليبرّر حاجته الى “حزب الله“.. لمواجهتهم!!
خيار باسيل، بين اتفاق “مار مخايل“، و “الطيونة »، وإسهابه في تعداد حوادث حصلت خلال الحرب الاهلية، حال دون الحديث عن موبقات “حزب الله، بعد « تفاهم مار مخايل »، وقبله. فتناسى عمداً « غزوة العاصمة » في 7 أيار/مايو في العام 2008، وسقوط عشرات القتلى والجرحى نتيجة « الغزوة » التي اعتبر الجنرال وصهره انهما شريكان فيها، فرفعا شارة النصر غداتها!
ما لم يجرؤ الإيراني باسيل على ذكره: من الإغتيالات إلى « حرب لو كنت أعلم »!
فات باسيل، أيضاً، إغتيالُ الضابط الطيار سامر حنّا على يد عنصر من “حزب الله“، تم إخراجه من السجن بعد ستة أشهر بحجة عدم اهليته العقلية. وحينها، سأل « الجنرال »: ما شأن سامر حنا، ليطير بمروحيته فوق بلدة « سُجُد » الجنوبية! وكأن الجيش اللبناني عليه ان يستأذن عناصر حزب الله في اين يقوم بمهامه!
فات باسيل تعطيلُ الوسط التجاري لمدينة بيروت وتدميره الممنهج على يد عناصر الثنائي الشيعي الحلفاء ممن كان يسمى « 8 آذار »، لاكثر من سنة ونصف والسنة، والاضرار الاقتصادية التي نتجت عن الاحتلال!
فات باسيل، محاولة اغتيال النائب بطرس حرب الموثقة باتهام احد عناصر “حزب الله“.
فات باسيل، اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الشهيد رفيق الحريري، واتهام عناصر من الحزب الايراني باغتياله، من قبل محكمة دولية.
فات باسيل، قافلة الشهداء الذين سقطوا من قيادات لبنانية في قوى 14 آذار، في ظل تفاهم “مار مخايل” الشهير، ولم يأت على ذكرهم! بل ان عمه كان، غداة كل اغتيال، يجاهر بموقفه الشهير: « لا يجب ان نستبق التحقيق »! بل، ويصرح حينا آخر بالتعمية على الجريمة بالقول أنها « ربما حصلت لاسباب شخصية وخاصة »؟!
فات باسيل، تورط الحزب الايراني بحرب “لو كنت أعلم” في تموز 2006، بعد أشهر من توقيع تفاهم « مار مخايل » الذي يشيد به، وهي حرب لم تبقِ ولم تذر في طول البلاد وعرضها، تم خوضها لغايات التفاوض الايراني مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
فات باسيل، تعطيل حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، بانسحاب الوزراء الشيعة منها في بدعة دستورية ميثاقية، فوافق عليها هو وعمّه، وأصبحت عرفا يشربان سمّه اليوم!
فات باسيل، تعطيل شريكه في التفاهم “حزب الله” لـ« معركة فجر الجرود »، التي حقق فيها الجيش البناني انتصارا مدوياً على فلول ما كان يعرف بـ « جبهة النصرة »، وطردهم من الجرود اللبنانية، وحاصرهم في مربع أخير، فما كان من الحزب الايراني، ولغايات لها علاقة بمصالح الحزب، إلا أن منع الجيش من استكمال انتصاره، ونقل مسلحي « النصرة » بباصات مكيفة، تابعة لمؤسساته في لبنان الى جبهات أخرى!
فات باسبل، الحديث عن تورط شريكه “حزب الله” في حروب عبثية في دول الجوار، والحملات التي شنها امين عام الحزب على قيادات دول الخليج والتعرض لهذه القيادات بالشخصي، ما أسفر عن قطع علاقات لبنان العربية، بعد الدولية، ووقوعه تحت حصار أخلاقي قبل ان يكون ماليا، ما فاقم من ازمته الاقتصادية والمالية والديبلوماسية!
بين جبران باسيل والمستشار « الأسدي » سابقاً »، « الحزبلي » لاحقاً سليم جرصة، ما دور رئيس الجمهورية ميشال عون؟
فات باسيل ان الآخرين الذين يتهمهم دائما بتعطيل عهد عمه، هم شريكه في التفاهم، المسؤول عن تهريب الملايين من حبوب الكبتاغون المصنّعة في لبنان او في « القصير » السورية بإشراف شريك التفاهم، وكانت عمليات التهريب سببا إضافيا لحصار اقتصادي على لبنان حرم مزارعيه وصناعيه من اسواق الخليج العربي.
فات باسيل، ان ثقة المجتمع الدولي اهتزت بلبنان ودولته وهو قارب الاعلان عنه دولة فاشلة، وصولا الى اشتراط حصر المساعدات الانسانية للبنانيين بالمؤسسات المدنية دون سواها من مؤسسات الدولة!
فات باسيل الكثير ممن خيّر اللبنانيين بين ماضٍ انتهى الى غير رجعة، وحسم خياراته “اتفاق الطائف“، وحاضر ومستقبل جر الويلات على لبنان وما زال.
ففي حين انهى “اتفاق الطائف” الحرب الاهلية، ومهّد لاعادة اعمار لبنان، حيث شهد نموا وازدهارا ماليا قارب الفورة الاقتصادية في عهود الرئيس الشهيد رفيق الحريري، جرّ “اتفاق مار مخايل” كل انواع المصائب والويلات على لبنان.
فات باسيل أخيرا، أن أحداث “الطيونة” افتعلها عناصر من “حزب الله“، امام كاميرات الهواتف النقالة ومصوري المحطات التلفزيونية، ولم تكن كمينا أعده حزب “القوات اللبنانية“، بل دفاع الاهالي في المحلة عن ارزاقهم واموالهم واعراضهم في وجه غزو همجي من موتورين أفلتوا من عقالهم امعنوا في المحلة تكسيرا وتخريبا للسيارات والممتلكات من دون مبرر او وازع لا ديني ولا اخلاقي ولا حتى وطني!
إذا كان من خيار انتخابي بين “الطيونة” و “مار مخايل” فاللبنانيون سيعرفون من سيختارون، بين من يفتح دفاتر الماضي، وبين من عانى ويعاني من ويلات الخاضر وما يبشر به مستقبل الاتفاق المشؤوم.
وجدي ضاهر _ شفاف الشرق الاوسط