قراءة انطباعية في عمل لحكيم العاقل- بقلم عمر سعيد
الألوان سلم الرسام، يتسلق بها مجاهل الكون، يسعى بارتقاء درجاتها إلى بلوغ حقول الخيال.
والرسام المبدع جلجامشُ أزلي، يظل يفتش في حركة الريشة، وانحناءات أصابعه فوقها، وفي ألوان تظل تتمدد أمامه صعودًا سلالم، يستحيل أن تعود بغير نبتة خلوده.
عن حكيم العاقل أتحدث هنا، وعن عمله المدهش بألوانه ومعانيه.
فكأنها نجوم تشتعل شرفات البيوت المطلة من خلفها نيران السهر الحمراء، تتناءى في فضاء اللوحة التي تبدو لطفولتي كواحدة من ليالي ريفنا البريئة.
ولأجيب عن سؤال: لم اللون الأصفر عن يمين المشاهد؟ أقول: لأنه الشهقة الأولى التي تنبلج بعد ليالي الأشهر في أرحامنا الدافئة.
فكأن اللون الأصفر هو ماء الرأس الذي يزيل بزواله ما كان يحجب عنّا الإدراك والوعي والشعور، لنخسر راحة ما كنا ندركها، لولا مشقة الدرب خلف أمهاتنا اللاتي تركننا في وحشة الطريق.
فكأن الجنة تمتد لتتلاشى في أثر الأمهات الأمهات، لا تحت أقدامهن.
في وجهها داخل حمرة الرّحيل ملامح الإصغاء، والتيقظ بحثًا عن الإطمئنان، وقد ظلّ عند الّركن اليماني، يترقب.
الهدد أبرز الحاضرين بألوانه في لوحة حكيم العاقل.
هدد سليمان، أم هدد الأمومة، أم هدد الطفلة؟ لا أعرف.
غير أني شبه متيقن من أنّه هدد حكيم العاقل.
حضر بكل ألوان التجربة البشرية، ليمتد على طول العمل وعرضه، وبكافة تدرجات ألوانه.
ولم بقي شيء من روح الام خلفها؟!
ذلك لأن الذين نحبهم لا يغادرون، وإن مشوا في طريق لا نهاية له.
يخلفون وراءهم أبواب بيوتهم مفتوحة على الشوق والحنين، وقد نشروا روائحهم التي لا تتوقف عن الانبعاث على كافة حبال الذاكرة والحنين.
حكيم العاقل الأنيق جدًا بخياله، ومشاعره، وألوانه، ولوحاته، وجماله، يصر على ترتيبنا من الدّاخل بما يقدّمه لنا، لتكتمل مشهدية الجمال الأنيقة فيه وفينا وفي المكان والأعمال الّتي يغدق علينا بها.
عمر سعيد
الرسام حكيم العاقل