هكذا توالت الوقائع في يوم “اشتباكات الطيونة”
تستمر التحقيقات داخل المؤسسة العسكرية وسط تكتم شديد وبطلب من قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون منعاً لتوظيف أي معلومة مسربة في المكان الخطأ حتى استكمال الصورة الكاملة لحقيقة ما حصل في 14 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي. عدد الموقوفين بلغ حتى الآن 20 وهم من طرفَي الاشتباك ومن بينهم 3 سوريين، على عكس ما تم الترويج له بأن الذين تم توقيفهم هم من طرف واحد، علماً أنه قد يتم إخلاء سبيل بعضهم في الأيام المقبلة، ممَن تبيّن التحقيقات أن لا علاقة له في الحادثة التي جرت في منطقة الطيونة وعلى حدود منطقة عين الرمانة، كما قد تتوسع دائرة التوقيفات. وكشفت مصادر مطلعة على التحقيق لـ “اندبندنت عربية” أن من بين الموقوفين الذين يخضعون للتحقيق حالياً لدى المؤسسة العسكرية، بعض ممَن انتشرت صورهم يطلقون النار بأسلحة رشاشة وقذائف الـ “آر بي جي” من طريق صيدا القديم باتجاه منطقة عين الرمانة، فيما تكشف المصادر أن الجيش لم يوقف أي قنّاص من جهة عين الرمانة، وفرضية القنّاصين بدأت تتراجع لعدم وجود أدلة حتى الآن لدى الجيش يمكن الاستناد إليها لتأكيد هذه الفرضية، علماً أن العمل جارٍ على تحليل صور كاميرات المراقبة في المنطقة كما يتم الاستماع إلى إفادات الموقوفين وإفادات عناصر الجيش الذين كانوا على الأرض، ومن بينهم أحد الضباط الذي أُصيب بكسر في يده نتيجة تعرضه للحجارة التي تبادلها المتظاهرون وبعض الأهالي في الشارع المؤدي إلى عمق عين الرمانة، والذي انحرفت باتجاهه التظاهرة، كما يتم التحقيق مع العنصر في الجيش اللبناني وهو من فوج المغاوير الذي كان أول مَن أطلق النار باتجاه المتظاهرين وأصاب اثنين، لمعرفة الأسباب التي دفعته إلى إطلاق النار والظروف التي دفعته إلى التصويب المباشر.
مريم ضحية نيران المتظاهرين؟
لا يمكن الحديث بعد عن نتائج نهائية للتحقيقات في حادثة الطيونة، ولم يتوصل الجيش اللبناني إلى صورة كاملة لحقيقة ما حصل، علماً أنه من المقرر أن تُحال نتائج التحقيقات إلى المحكمة العسكرية حيث سينظر في الملف مفوض الحكومة القاضي فادي عقيقي. لكن مصادر مطلعة على التحقيق كشفت لـ “اندبندنت عربية” أن إحدى ضحايا الاشتباك وهي المرأة التي أُصيبت داخل منزلها في طريق صيدا القديم، تبيّن أنها أُصيبت برصاص المتظاهرين المسلحين الذين كانوا يطلقون النار بشكل عشوائي باتجاه المباني، فيما تحدث شهود عيان أن بعض الضحايا أُصيبوا بطلقات نارية في ظهرهم، ما يرجح فرضية إصابتهم برصاص رفاقهم الطائش. أما بعد التدقيق بالأسماء المتهَمة باستهداف المتظاهرين من على سطوح المباني داخل عين الرمانة، فكشفت معلومات أن أحد المتهمين وهو حاتم نجيب حاتم، القنّاص المفترض الذي وزّعت بعض وسائل الإعلام صوره، تبيّن أنه يقيم في قطر منذ يوليو (تموز) الفائت ولم يدخل إلى لبنان خلال هذه الفترة.
دعاوى قضائية متبادلة
وفيما استبق الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله التحقيقات متهماً بالمباشر حزب “القوات اللبنانية” ورئيسه سمير جعجع بتنفيذ مكمن للمتظاهرين بهدف إشعال حرب أهلية، مستنداً في اتهاماته إلى أول بيان صدر عن الجيش اللبناني تحدث عن تعرض المتظاهرين لإطلاق النار، وإلى تصريح وزير الداخلية بسام المولوي بعد اجتماع مجلس الأمن المركزي الذي تبنى رواية القنص. إلا أن وزير الدفاع اللبناني موريس سليم نفى فرضية الكمين ووصف ما حصل بالحادثة المشؤومة، فيما كشفت مصادر مقربة من وزير الداخلية أن الوقائع التي تحدث عنها سمعها من بعض ممثلي الأجهزة الأمنية في اجتماع مجلس الأمن المركزي والذي تبيّن لاحقاً أن الوقائع التي وصلتهم لم تكن دقيقة. وتراجعت الحملة الاتهامية ضد الجيش اللبناني على أثر تسريب فيديو يظهر سقوط أحد الضحايا بنيران عنصر من الجيش، وقد كان كلام نصر الله الإيجابي عن المؤسسة العسكرية ووصفها بالضمانة كفيلاً بوقف حملات مناصري “حركة أمل” و”حزب الله” التي لم تخل من اتهامات التخوين بحق قائد الجيش والمؤسسة العسكرية إلى حد وصف الجيش بجيش الولايات المتحدة الأميركية. في غضون ذلك، وبعد أن أعلن أهالي عين الرمانة نيتهم في رفع دعوى ضد الأمين العام لـ”حزب الله” وكل مَن يظهره التحقيق في الاعتداء الذي حصل على ممتلكاتهم وشبابهم، رد الحزب بدعوى مماثلة سيرفعها رئيس بلدية الغبيري الواقعة في ضاحية بيروت الجنوبية ضد رئيس حزب “القوات اللبنانية” والموقوفين ومَن يظهر التحقيق أنهم متورطون في حادثة الطيونة.
كيف تحولت تظاهرة سلمية إلى مسلحة؟
يؤكد وزير الداخلية أنه تبلغ عشية تظاهرة 14 أكتوبر من قبل الداعين لها وهم من “حركة أمل” و”حزب الله”، تطمينات تؤكد سلمية التظاهرة وبأنها ستكون رمزية ولن تخرج عن شروط التعبير السلمي عن الرأي وستقتصر على النخبويين بالإشارة إلى محامين من صفوف “أمل” والحزب. هذه التطمينات تبلغتها أيضاً قيادة الجيش التي اتخذت إجراءات صبت بشكل أساسي على قصر العدل ومحيطه، لكن نظراً إلى حساسية المنطقة المتاخمة لعين الرمانة ذات الغالبية الداعمة للمحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار، لا سيما أن شابين من أبنائها من صفوف الدفاع المدني سقطا ضحية الانفجار، نشر الجيش عناصر من فوج المغاوير والمجوقل على مداخل عين الرمانة المحاذية للطريق التي سيسلكها المتظاهرون من الطيونة مروراً بتقاطع فرن الشباك وصولاً إلى قصر العدل، وإن بإعداد بدت في ما بعد غير كافية نظراً إلى تطور الأحداث. ففي الوقائع واستناداً إلى الصور وإفادات شهود عيان من الطرفين، تبيّن أن التظاهرة التي كان عنوانها المطالبة بإقالة القاضي بيطار، خُطط لها بشكل منظم وتطورت تدريجاً وعبر 3 مجموعات من “سلمية” إلى مسلحة، تستهدف عين الرمانة.
في المقابل، ذكرت مصادر مقربة من وزير الداخلية أن القوى الأمنية رصدت داخل شوارع عين الرمانة تجمعات قيل إنها من الأهالي من دون أن يتم التأكد ما إذا كانت هذه المجموعات هي التي اشتبكت مع المتظاهرين.
المحامون أولاً ثم القمصان السود
وتكشف عملية التدقيق في الفيديوهات التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي والخاضعة حالياً لتحليل القوى المختصة لدى المؤسسة العسكرية المشرفة على التحقيقات، أن المجموعة الأولى من المتظاهرين كانت في غالبيتها من المحامين وقد سلكوا طريق الطيونة مروراً بجادة سامي الصلح بمحاذاة مداخل عين الرمانة، وصولاً إلى قصر العدل من دون أن يعترضها أحد. لحقتها بعد ذلك مجموعة ثانية أكبر عدداً من الأولى تميّز المشاركون فيها بارتداء القمصان السود، وبإطلاقهم هتافات معادية لعين الرمانة وللقوات اللبنانية ولسمير جعجع. على الرغم من ذلك، سلكت مجموعة القمصان السود بسلام كل الطريق المؤدية إلى قصر العدل مروراً بتقاطع فرن الشباك، ولم ينجحوا في استدراج أهالي تلك المنطقة إلى أي تصادم. وأظهرت بعض الصور أيضاً أن الأهالي تجمعوا داخل الشوارع وفي صفوفهم شباب لكن خلف ملالات الجيش اللبناني. وبقي التحرك تحت السيطرة إلى حين انحراف التظاهرة عن مسارها الأصلي بشكل مفاجئ، عندما دخلت مجموعة من القمصان السود، إلى مدخل شارع يؤدي إلى قلب عين الرمانة، المعروف بشارع “لا بينيت”la pinette ، ووصلوا إلى مداخل الأبنية وبدأوا بتكسير السيارات والممتلكات مرددين شعار “شيعة شيعة شيعة”. وقال شاهد عيان إن بعضهم أطلق النار فسقط 4 جرحى من الأهالي وهم من مناصري القوات اللبنانية. كما اعتدوا على عناصر الجيش الذين حاولوا منعهم من الدخول إلى المنطقة تجنباً للاصدام مع أهاليها. ووقف الجيش بين المتظاهرين وسكان المنطقة، الذين تبادلوا رمي الحجارة، واستقدم الجيش اللبناني قوةً اضافية خوفاً من تطور الأمور إلى كارثة أكبر، وحاول ردع المهاجمين ومنعهم من التوغل أكثر في الشارع باتجاه عين الرمانة، فأطلق الرصاص لتفرقتهم وإخراجهم من الشارع، وهنا وقعت الإصابات الأولى.
السلاح ظهر فجأة وبوقت قصير
ما إن خرج المتظاهرون من شارع “لا بينيت” تحت نيران الجيش اللبناني واتجهوا إلى الطيونة، حتى ظهر السلاح وفي شكل استعراضي كما تظهره الفيديوهات. وانطلقت مجموعة ثالثة مدججة بالسلاح المتوسط من الطيونة وتمركز عناصرها على طول طريق صيدا القديم في الجهة المواجهة لعين الرمانة، وبدأوا بإطلاق النار بشكل عشوائي رداً على النيران التي قالوا إنها تستهدفهم من داخل عين الرمانة، وتوثق الفيديوهات الاشتباكات التي استمرت لأكثر من 5 ساعات والتي أُطلقت خلالها قذائف الـ “آر بي جي” باتجاه المباني التي صودف أن كل سكانها من الطائفة الشيعية، وفي إحداها أُصيبت مريم فرحات بالرصاص العشوائي داخل منزلها وفق ما كشفته التحقيقات. وفي حين ذكر شهود عيان أن الاشتباكات حصلت بين المتظاهرين المسلحين والجيش اللبناني، روى أحمد عباس، أحد المشاركين في التظاهرة على صفحته على “فيسبوك” ما حصل، متهماً الجيش بإصابة 5 أشخاص، أحدهم في صدره برصاصتين وآخر في رجله، مشيراً إلى أنه حاول إخبار الجميع ما حصل ولم يصدقه أحد. وأصدرت قيادة الجيش بياناً تحدثت فيه عن عنصر واحد أطلق النار وهو يخضع للتحقيق، أما نواب “حزب الله” و”حركة أمل” فاتهموا “القوات اللبنانية” بقتل الضحايا الـ 7 الذين سقطوا في الحادثة وتحدثوا عن قناصة تمركزوا على أسطح المباني ونفذوا كميناً لاستدراج الحزب إلى حرب أهلية كما قال نصرالله.
المصدر: اندبندنت عربية