بين وليم وذي النون (بقلم عمر سعيد)
يذكرني وليم نون بنبي الله يونس ذي النون.
فالكل يعرف أن ذا النون قضى في بطن الحوت أربعينًا، لكني لا أعرف إن كانت أربعين رغيفًا، أم دقيقة، ام ساعة، أم يومًا، أم سنة.
هي أربعون وفقط.
شيئان ثابتان في ذاكرة الناس عن ذي النون:
الأربعون، ودعاؤه الذي استغفر به:
” لا إله إلا أنت، سبحانك إني كنت من الظالمين”
كذلك هو حال وليم نون مع السلطة وأجهزتها، لا أحد منهم يعرف كم قضى وليم نون وأهله في جوف الحزن، والغضب، ولا لمَ هو في هذا الجوف؟!
كل الذي يعرفه الفاسدون: أن وليم، وحتى اللحظة، يرفض أن يسبح بحمدهم، ويرفض أن يصمت أمام ظلمهم.
لم تكلف السلطة ومن خلفها نفسها عناء السؤال: عن الذي قذف بوليم نون في جوف الحزن، والغضب، كما لم يسأل أحد من الذين يعرفون أن يونس قضى أربعينًا، عن سبب الذي رمى به في جوف ذلك الحوت.
ترى إلى متى سيظل الإنسان هو الذي يُسْأل؟!
وإلى متى سنظل نسبح بحمد الظالم ونستغفر طمعًا بتخفيف ظلمه؟!
أما آن الأوان في هذا الشرق لأن يُسْأَلَ الإلهُ عن ظلمه، ويحاسب عليه، ويعتذر من الضحية؟!
هذا الصباح سيخضع وليم للتحقيق من قبل محقق أتى إلى عمله، وقد حلق ذقنه، واستحم، ومشط شعره، ثم تناول فطوره، وارتدى زيه المحصن، ورش العطور، من بقايا قنينة عطر اشتراها أيام كان معاشه، يمكنه من شراء العطور، وقد جلس فوق مقعده الدوار، يضع كعب القلم بين شفتيه، متظاهرًا، بالاسترخاء والقوة، ثم ينفعل وهو يسأل وليم، ولا أسئلة في جعبته، لأنه مجرد محقق تافه، يتقاضى راتبًا لا يساوي مئة دولار.
محقق يشتري بمليونه الهزيل صهريج الماء بمئتي ألف ليرة، وتنكة البنزين بثلاثمئة ألف ليرة، وجرة الغاز بمئة وعشرين ألفًا، والمازوت بخمسمئة ألف.
محقق لا نور في بيته، ولا ماء، ولا وقود في سيارته، ولا دواء، ولا خبز في براده، ولا لحمة في ملحمة جاره عند الناصية، ولا بائع خضار يمر في الحي الذي يسكنه، ولا مواد تموينية في خزائن مطبخه.
محقق ينتظر كرتونة إعاشة من محسن ما!
لكنه يصر على الاعتزاز بأنه محقق سلطة فاسدة.
محقق لا يملك إلا سؤالًا واحدًا:
لماذا اعتديت على منزل سيدي؟!
وأنى له أن يفهم ما سيقوله وليم المعبأ بقهر أمه وأبيه، والمسكون بغبار وحرائق جسد أخيه، والذي أعادت تشكيله بكل هذا القهر والغضب، سلطة وأجهزة لا تبحث عن غير التسبيح بحمدها، كونها تسمح لوليم وأهله بالعيش في جوف فسادها.
وسواء أكان ذو النون النبي قد استغفر لإله عرفه ورآه وتحدث إليه، أو أنه قد فعل لحاكم لم يرحمه، ولا يسله.
فإننا ونحن من وراء وليم وهو من أمامنا بكل ثورته، سنظل نصرخ في جوف هذا الحوت إلى أن ينفجر، ويذهب هو وربه إلى جحيم، لا يلفظ منه الظالمين.
عمر سعيد