إلى ولدي ثانية: ” كن أزعر” ! (بقلم عمر سعيد)
في رسالتي السابقة قلت لك يا ولدي: “أن كثيراً من أهلنا كذابون”.
وأغضبتُ بذلك الكثيرين من أحفادهم، فتناولوا لحمي بأنيابهم السامة.
وأكثروا بحقي الشتم والإهانة.
حتى أن بعضهم اتهمني بإضاعة البوصلة، وهم لا يقصدون بالبوصلة الا تلك الطريق التي تألفها الدابة لكثرة السير فيها.
لكنهم يا ولدي معذورون، فهم أيضا كذابون، ولا يتورعون عن الكذب حتى على أنفسهم، ومنذ قرون.
هم جماعة حكي يا ولدي، وليته كان حكي تنور.
بل هو حكي أتفه من ذلك وبكثير.
لقد ملؤوا الدنيا كلامًا، وهم ومنذ قرون صناع كلام، ويفخرون على العالم بذلك.
وأجزم أن معارك انتصروا فيها، قد خاضوها كلاميًّا، ليس أكثر.
كما حصل قبل أيام عبر الفيس بوك وأخواته خلال تحرير الأقصى الذي لا زال ينتظر السبع دقائق منذ عقود.
لقد أشتعلت سماء فلسطين بكلمات الإستنكار، والموت للصهاينة، وكانت أرضها تبتلع صواريخ الطائرات وجثث الأطفال وأهلهم وبيوتهم.
في تلك الأيام صادفت ذكرى استشهاد مفتى الجمهورية اللبنانية، المرحوم حسن خالد على يد الغول المحتل وتحديدا يوم ١٦ أيار.
ذلك الشهر الذي نال من أهلك، وما صدوه بغير الكلام.
كنت أتابع يا ولدي، لم تتوقف عند تلك الذكرى إلى صفحات القواتيين في الفيس بوك.
أتعرف لم يا ولدي؟!
لأنهم هم الوحيدين الذين يعرفون معنى الشهادة الحقيقية، فهم أبناء وأحفاد من صدقوا ما عاهدوا الله.
ولولا أنهم خرجوا اليوم يا ولدي زعرانًا في وجه الطاغية وأنذاله، لكنت رأيت الكثير من أحفاد أهلك يلوحون بالعلم الذي أحرق أهل بلده على مدار أحد عشر عامًا.
لقد عبر هذا العلم من شمال لبنان وجنوبه إلى وسطه لأجل عرش قاتل..
وفي جونية والأشرفية وأخواتها فقط، قد أسقطه الزعران يا ولدي..
أولئك الزعران الذين لا يطيقون الكذب، كأهلك يا ولدي.
أتدري لم هب أولئك الزعران؟!
هبوا لأنهم يدركون ألم المكتوم على أنفاسهم هناك تحت الركام، وفي ظلام المدن المهدمة والسجون، هبوا لأنهم ذاقوا مرارة ظلم المتقاطرين خلف علم اقتات بالضعفاء خمسة عقود من الزمن.
لن أطيل عليك.
وصيتي لك يا ولدي، ما دمت شابًا، فكن أزعر.
وولي وجهك شطر كعبة الزعران في معراب.
فإن لم يذقك حزبك طعم الكرامة، فأذقه طعم الإهانة بصفع وجوه قيادته ومسؤوليه باستقالتك منه ككذاب وشاهد زور.
فليس من الكرامة فقط رغيف خبز حلال ومصباح كهرباء وحنفية ماء وفرصة عمل هي من حقك، بل إن من أعظم الكرامة أن تبصق في فم المدفع المكمم انتقاماً لظهور عارية نال منها سوط راكب الدبابة التي لم توجه فوهة مدفعها مرة خلال قرابة قرن صوب فلسطين، إلا إذا وثق الرماة من أن قذائفها محشوة بالكلام، والكلام فقط، وليس أي كلام، بل كلام يفرض مقايضة الكرسي بدماء الأبرياء.
فكن أزعر وافخر بأنك على خطى عروة بن الورد العبسي وصعاليكه، وخطى روبن هود و”ميري من”.
كن أزعر لأن الزعرنة منهج فعل وعمل، والآدمية علف المتشدقين على حساب الإنسان.
#عمر_سعيد