تُظهر حرب الطائرات بدون طيار محدودية الكفاءة التشغيلية لأنظمة الدفاع الجوي
أصبحت الحروب الأهلية في سوريا وليبيا ساحات قتال للدول الأجنبية التي تدعم أطرافًا محلية مختلفة. لقد تدخلت القوى الخارجية في كلتا الحربين الأهليتين بتزويدهما بأسلحة تقليدية متطورة أدت إلى اشتداد حدة الصراعات، ولكن لم يصل أداء معظم تلك الأسلحة لمستوى ما كان يُزعم عنها. ولعل أكثر الأمثلة المدهشة على ذلك هو كيف كانت أنظمة الدفاع الجوي الروسية الحديثة غير فعالة في مواجهة الطائرات بدون طيار والصواريخ التي تحلق على ارتفاع منخفض. في المواجهة بين أنظمة دفاع جوي باهظة الثمن وطائرات بدون طيار هجومية منخفضة التكلفة وصواريخ تحلق على ارتفاع منخفض، كفة الهجوم هي الرابحة.
في الأسابيع الأخيرة، أفادت التقارير أن الطائرات بدون طيار التي قدمتها تركيا لدعم حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليًا دمرت أنظمة الدفاع الجوي الروسية قصيرة المدى بانتسير (Pantsir) شورادس (SHORADS) التي استخدمها الجيش الوطني الليبي المعارض لحماية قواته. عدم قدرة الجيش الوطني الليبي على حماية قواته أدى إلى قلب مجرى الصراع، وهو تذكير بمدى صعوبة الدفاع الجوي في عصر الطائرات المسلحة بدون طيار الرخيصة نسبيًا وصواريخ كروز المنخفضة الموجهة بدقة.
الجيش الوطني الليبي ليس هو الوحيد الذي يواجه صعوبة في استخدام أنظمة الدفاع الجوي بفعالية. النظام السوري يستخدم العديد من أنظمة الدفاع الجوي الروسية الأصل، بما في ذلك أنظمة الدفاع الجوي إس-300 (S-300) و إس-400 (S-400) وكذلك نظام الدفاع الجوي العالي إلى متوسط الارتفاع (HIMADS) ونظام صواريخ بوك ذاتي الدفع (Buk-M1) وأنظمة صواريخ أرض جو متوسطة المدى (SAM) و نظام بانتسير شورادس (Pantsir SHORADS) الدفاعي قصير المدى. دأب سلاح الجو الإسرائيلي على هزيمة هذه الأنظمة بانتظام من خلال الاستخدام المشترك للحرب الإلكترونية والصواريخ المضادة للإشعاع والذخائر الموجهة بدقة. تم اختبار العديد من التكتيكات والتقنيات والإجراءات المستخدمة لهزيمة أنظمة الدفاع القصيرة المدى (SHORADS)في ليبيا حيث تم اختبارها خلال حملة الجيش التركي الشتوية القصيرة في عام 2020 في محافظة إدلب والتي دمرت خلالها تركيا أنظمة بانتسير شورادس الدفاعية قصيرة المدى (Pantsir SHORAD) و نظام صواريخ بوك (Buk-M1) متوسطة المدى التي يديرها نظام الأسد. يبدو أن بعض أنظمة بانتسير (Pantsir) السورية والليبية المدمرة تعمل في الميدان، بينما كان البعض الآخر يتحرك على مقطورات مسطحة أو يختبئ تحت حاميات عندما تم تدميرها. يوضح هذا كيف يمكن للمعلومات الاستخباراتية أن تساعد المهاجمين بتحييد هذه الأنظمة الدفاعية بسهولة.
لم تتم هزيمة كل هذه الأنظمة فقط بسبب أوجه القصور التقنية الكامنة فيها. فقد يؤثر الوضع التكتيكي والاستراتيجي الذي تستخدم فيه هذه الأنظمة الدفاعية الجوية أيضًا على أدائها. على سبيل المثال، كجزء من مشروع ممول من المساعدات الخارجية المرسلة من قبل الولايات المتحدة، قامت مؤسسة RAND بدراسة مصادر معلومات مفتوحة تسلط الضوء على أن المجندين السوريين الذين يشغّلون أنظمة الدفاع الجوي الروسية المتقدمة التي حصلوا عليها حديثًا يفتقرون إلى وقت التدريب اللازم لتشغيل هذه الأنظمة المعقدة بفعالية. إن النجاح المتكرر للقوات التي تستخدم طائرات بدون طيار وصواريخ تحلق على ارتفاع منخفض لتدمير أو قمع أنظمة الدفاع الجوي المتعددة في ساحة المعركة هو ملاحظة تحذيرية حول فعالية هذه الأنظمة ضد التهديدات الجوية الحديثة. في كل من ليبيا وسوريا، أفسدت الطائرات الهجومية بدون طيار والصواريخ منخفضة التكلفة أنظمة دفاع جوية أكثر تكلفة وتعقيدًا وصعبة في التشغيل.
حتى الدول المجهزة تجهيزًا جيدًا مثل المملكة العربية السعودية تعلمت، من خلال الضربات الصاروخية وهجوم الطائرات بدون طيار على منشآتها النفطية في أواخر صيف عام 2019 من قبل المتمردين الحوثيين أو العملاء الإيرانيين، أن الدفاع الجوي الفعّال ضد الطائرات المسلحة بدون طيار أو الصواريخ منخفضة التحليق أمر صعب للغاية. وبالمثل، فإن إيران تعلم، من خلال إخفاقاتها المأساوية في نظام الدفاع الجوي تور (Tor) الذي زودتها روسيا به والذي أسقط طائرة ركاب أوكرانية، بأن تشغيل أنظمة صاروخية دقيقة ومتطورة تتطلب تدريبًا مكثفًا، وحتى بعد التدريب ممكن حدوث أخطاء كارثية.
قامت شركة الدفاع الروسية والمسؤولون الحكوميون بتسويق نظام الدفاع الجوي العالي إلى متوسط الارتفاع (HIMADS) وأنظمة الدفاع القصيرة المدى (SHORADS) المتقدمة على أنها فعالة للغاية ضد التهديدات الجوية. ومع ذلك، وكما أظهر القتال الأخير في ليبيا وسوريا، فإن شراء وتشغيل نظام دفاع جوي متكامل حديث يمثل مشروعًا عسكريًا صعبًا. حتى من الناحية الفنية، يمكن هزيمة الأسلحة الفعالة. لسوء حظ المدافعين الجويين حول العالم، يمتلك المهاجم مجموعة واسعة من خيارات الأسلحة الإلكترونية والحركية للحد من فعالية إن لم يكن هزيمة تلك الأنظمة الدفاعية الجوية. سيكون صانعو القرار على المستوى الوطني من الحكمة أن يوازنوا بعناية مقايضات الهجوم والدفاع لتلبية احتياجاتهم الأمنية قبل إنفاق الثروة الوطنية على أنظمة باهظة الثمن ومعقدة يصعب تشغيلها ولا تعمل دائمًا كما هو معلن في هذا المجال.
جون ف.باراشيني (John V. Parachini) هو كبير الباحثين في المجال الدولي والدفاع و بيتر ويلسون (Peter Wilson) باحث مساعد في الدفاع الدولي في مؤسسة RAND الحيادية وغير الربحية.
نشرت هذه المقالة على RealClearDefense