إلى روح د. جود أبو صوان (بقلم عمر سعيد)
ليس الفكر أن تحول السنديانة إلى طاولة.
بل إن الفكر أن تعيد للطاولة أغصانها وأوراقها وثمارها وظلالها التي تعيد للإنسان معنى الوجود.
وليس الفكر أن تستنبط من سلالة من معدن قطاراً يجتاز بك الجغرافيا دون كلل.
بل إن الفكر أن تعيد للطين معادنه، فيشتد فيه حضور الإنسان، وتغدو المسافة بين المعلوم والمجهول بقدر المسافة بين الفكرة العقل، وبقدر الفارق بين الطين والإنسان.
وليس الفكر أن تجعل الطين يستوي على قدمين، ويمشي في الأرض فساداً.
بل إن الفكر أن تعيد للطين إنسانه، فيطلق نوره في الذي يفتق الطين محبة ونبلا.
وليس الفكر أن تطلي جبين الأوراق بسواد الأحبار، يلوك اللغة والعبارات بقدر ما يلوك فم بلا أسنان طعاماً لن يعيد أسنانه.
بل إن الفكر إن تشعل بداية الوعي عند القارىء بنار الشغف الذي لا يكف عن إحراقه إلى أن ينضج ويغدو إدراكاً.
لن يكون عبورك على هذه البسيطة كأي عبور.
ولن تكون إقامتك فيها بقياس ما استهلكت.
بل إن عبورك أحدث ثقباً بحجم السنين التي قضيتها تمزق ما فيك لتخرج للمدركين كتباً تضع هذه التجربة على طاولة تأسيس جديد.
تأسيس يعيد للإنسان دوره في الخلق والتكوين والإبداع.
فليس الغيب وحده المسؤول عن هذه التجربة، بل إن القضية تشارك بين إنسان بوزنك، وقوى عظمى بوزن خلقك وتكوينك.
كلاهما يضع منجزاته على خط الانتاج الحقيقي.
لتكون الأسس والظواهر، فوقها يضع أمثالك التوظيف والمحكمات فالنتائج.
فالكون ليس مجرد نظام ينبغي فهمه، وتفسيره وتحليله، ثم وصفه.
بل هو نظام يستفز للغوص فيه، بغية تخطي قواعده.
غوص يؤدي إلى التنقيح والتعديل والتطوير والتجاوز.
عندها تكون التجربة قد تحققت فيك وعلى شاكلة أمثالك من عقول لا تهدأ.
فما جدوى أن يعرف الإنسان شجرة التين، فيأكلها ويغرسها ثم يأكلها لملايين بل مليارات السنين.
وما جدوى أن نحيل الذرة إلى زيت وبشار لمليارات المرات.
والجدوى كل الجدوى تكمن في أن نخفض السماء بضعة أمتار، ونرفع الأرض بضعة أمتار لنصل ما بينهما من فراغ بكل ما يشبه الإرث الذي خلفته وراءك من غوص أغضب العقول المستنقعية، تلك التي لو بقيت مليار سنة على استقرارها لن تنتج أكثر من رائحة الاستقرار الآسن الذي ينتج البرغش والذباب والعلق والبراعيط.
ارقد في سلام فقد قامت مؤلفاتك تستقبل المعزين بك.
ولك الحب.
عمر سعيد