تململ واحباط داخل ”التيار الوطني الحر”: جبران باسيل جمرة تحرق من يقترب منها
غسان الحجار – النهار
لم تنفع المشهدية المسرحية “الدفاعية” لنجل رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل في معرض رده “التنمر” الذي يلاقيه، اذ ولو كان من حقه الدفاع عن والده، فان دفاعه سيعرضه لتنمر اكبر، لكون والده بات شخصا غير محبوب شعبياً، ولم تعد تنفع استعداداته للنزول الى الشارع، وانتظاره اشارة من رئيس الجمهورية ميشال عون قبل حين، اذ ان مناصريه دخلوا في نفق الاحباط والاكتئاب بعدما تجاوزت الحملات باسيل وتياره وصولا الى المطالبة باسقاط رئيس البلاد وتقصير ولايته، ليدخل عهده مرحلة الموت السريري “الكوما”.
ما هي الاوضاع السائدة حاليا داخل “التيار الوطني الحر” وتحديدا بين نوابه العونيين واولئك الذين ينضوون في “تكتل لبنان القوي”؟
يركز عدد من النواب على انتمائهم الى الرئيس ميشال عون شخصيا، واخرون يؤكدون انتماءهم الى “التيار” الذي “لن يبقى باسيل رئيسه الى الابد. وهو يجمع المخلصين للقضية الوطنية”. ويتجنب عدد كبير منهم عن وصف الحالة داخل التكتل، فيهربون الى التذرع بان “الاجتماعات الاخيرة تعقد افتراضيا عبر وسائل التواصل، وبالتالي فان النقاشات الحقيقية والتفاعل تغيب، لان التواصل شبه منقطع في هذه الاجتماعات، والهدف منها اصدار بيان معد سلفاً”.
لكن معظم اعضاء التكتل باتوا غائبين او مغيبين او مستقيلين، فالنواب شامل روكز ونعمة افرام وميشال معوض وميشال ضاهر باتوا خارج التركيبة، ويحضر النواب طلال ارسلان واغوب بقرادونيان واغوب ترزيان وفريد بستاني من باب رفع العتب. اما النائب ايلي الفرزلي فتسود علاقته بباسيل مساحات اخذ ورد. ومثله ابرهيم كنعان الذي يواجه “حرتقة” دائمة من باسيل والنائب الياس بوصعب، وفق ما يعتقد، وقد ظهر التباعد اثناء مناقشة الخطط الاقتصادية. ويتردد اخيرا ان ثمة تباعدا مع النائب زياد اسود.
ولعل الوصف الابرز للعلاقة مع باسيل يصفها احد النواب بانه “اقتراب من جمرة يشعر بالدفء، لكن الاقتراب اكثر يحرق”. ويقول ان الاحتقان الذي يسود في الشارع، ينعكس على “التيار” وجمهوره الذي يحتاج صدمة ايجابية بعدما شعر ان الرأي العام انقلب عليه، وان الرئيس عون لم يعد في معزل عن تلك النقمة الجارحة.
ينظر “التياريون” اليوم الى انفسهم فيشعرون بالعزلة. العلاقة مع الحليف الابرز “حزب الله” باتت متأرجحة، ورغم التفسير الاخير لباسيل لنوعية العلاقة، فان المحازبين باتوا يشعرون بالهوة التي تتسع بين الطرفين، ويراقبون عبر وسائل التواصل الاجتماعي الرفض الشيعي لهم و”الانقلاب” عليهم كما يدعي البعض. ولا يمكن البناء على العلاقة المستجدة مع حركة “امل” اذ بعدما قال باسيل عن بري انه “بلطجي” واتهم “التياريون” الحركة بالفساد، فان اللقاءات بين بري وباسيل لم تعد تنفع في “التكويعة” لدى جمهور الطرفين.
سنيا، فان سقوط التحالف مع “تيار المستقبل” ورئيسه سعد الحريري، افقد التيار حليفا قويا، لا يمكن لاعضاء “اللقاء التشاوري السني” مهما فعلوا ان يعوضوه، خصوصا ان الاخير لا يعتبر ذي شأن حتى لدى فريق 8 اذار الذي ابتكره، بدليل ان الرئيس نبيه بري رفع احدى جلسات مجلس النواب بعد انسحاب نواب “المستقبل” بذريعة عدم ميثاقيتها، في اعلان واضح وصريح ان لا قيمة تمثيلية سنية لـ”اللقاء التشاوري”.
يبقى ان “التيار الوطني” يعيش عزلة مسيحية غير مسبوقة، وهو يرفض الانتخابات النيابية المبكرة حتماً، لانه سيكون الخاسر الاكبر، وسيتقدم حزب “القوات اللبنانية” اكثر. التيار وحيدا في الساحة المسيحية، فالبطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي استعاد مواقف سلفه الراحل نصرالله بطرس صفير، واكتشف ولو متأخرا، الكيفية في علاقة “حزب الله” ببكركي وسيدها. كما ان العلاقة مع “القوات” والكتائب و”المرده” والاحرار والكتلة الوطنية في اسوأ مراحلها، كما العلاقة مع المذاهب غير المارونية، فالارثوذكس مستاؤون من التعامل معهم في المواقع التي تخص الطائفة، ومثلهم الكاثوليك الذين بلغ التدخل معهم حد اعلان لائحة انتخابية للمجلس الاعلى لطائفتهم من منزل باسيل دون احترام الخصوصية الكاثوليكية، وتضاف اليها محاولات تحجيم الطائفة عبر الغاء ميشال فرعون في بيروت وميريام سكاف في زحله.
ماذا بعد؟ وهل ينفع نقد ذاتي؟ ربما صار الوقت متأخرا لان من عادة حزب الرئيس ان يترجم قوته فيزيد عدد المقربين اليه والمتحالفين معه، لكن حال التيار مختلفة تماما، ولم يعد الوقت مناسبا لترميم تلك العلاقات، لان الرئيس نفسه لم يعد قادرا على النهوض في الثلث الاخير من الولاية، ومثله حزبه، الا اذا قدم الكثير من التنازلات حد الغاء نفسه ودوره، وهو ما يطلبه الاخرون الطامحون والطامعون والذي يعانون من شره لا ينتهي، اذ ان خلافهم مع “التيار” ليس مبدئياً بالتأكيد، وانما على حصص اراد التيار حصته فيها. لكنه وصل متأخرا زمن الافلاس ووقت انعدام الفرص، حتى فرص تقاسم خيرات الدولة التي جفت اثداؤها.