فرنسا لا تعرف .. لبنان صار جثة، والنظام خليط من حمق وفشل وغباء
وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان “غير مطلع على الوضع في لبنان وعلى الإصلاحات التي قامت بها الحكومة”. هذا ما فاتح به رئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب وزراءه خلال اجتماع الحكومة الأخير! لو أن لدى الوزراء ذرة من ماء الوجه كان عليهم أن يتركوا ملفاتهم على الطاولة وأن يغادروا الجلسة فورا بعد هذه الخلاصة التي أتحفهم بها رئيسهم. أن يغادروا الجلسة ليس احتجاجا، إنما يأسا، فهذا الذي يخاطبهم هو الذي يُفترض أن يمثل البعد السياسي لخططهم وبرامجهم، ولا يصلح الحمق للتعمية على الإفلاس.
لقد بلغنا في لبنان ذروة الحمق، وها نحن نجعله طقسا عاديا نشيح عبره بوجوهنا عن حقيقة اقترابنا من نهايات كثيرة. الحمق بوصفه دواء مسكنا لأوجاع ممتدة من المصرف إلى المدرسة، ومن البطالة إلى العيش من دون كهرباء. الحمق كفرصة لكي نشاهد جبران باسيل على التلفزيون يكرر أنه هو من أنعم على اللبنانيين بنعمة الكهرباء، وسعد الحريري مبتسما للإفلاس بصفته صنيعة غيره، وهو الذي ترك موظفي مؤسساته في العراء في وقت ينعم فيه هو بمتع الدنيا في قصره. الحمق، حين تتسابق تلفزيوناتنا لتصوير “انتصارات” حزب الله في الجنوب، ويتحول المراسلون والصحافيون إلى أبواق. والحمق حين لا نحطم جهاز التلفزيون عندما يطل علينا من شاشته حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ويقول لنا إنه لا يعترف بدولار السوق السوداء، وأن دولاره تبلغ قيمته 1515 ليرة لبنانية.
لبنان كيان بلا وظيفة ولا قوة، والأهم أنه بلا مستقبل. الدولة صارت جثة، والنظام خليط من حمق وفشل وغباء
كل هذه الحقائق لا يعرفها وزير الخارجية الفرنسي. لدى الرجل نقص في المعلومات. النافذة الضيقة الوحيدة التي لاحت للبنان بوصفها احتمالا، أقفلها رئيس حكومة لبنان الكبير. وهو إذ فعل ذلك، لم يقدم على هذه الفعلة من تلقائه. إنه جواب النظام للعالم. لسنا في وارد التجاوب مع شروطكم. كُلف حسان دياب بإيصال هذا الجواب، فنفذ المهمة على أسوأ وجه. لكن لا فرق كبيرا بين أن توصل هذه الرسالة على نحو جيد أو على نحو سيء، فالمضمون واحد، والنظام قال إن مستقبل لبنان لا يعنيه وأن جوع اللبنانيين وانهيار نظام عيشهم أقل أهمية من أن يقدم تنازلات إصلاحية.
زيارة لودريان كانت الخطوة الأخيرة في مسار الانهيار. النظام اليوم بمفرده. الفشل لا حدود له، وهو تحول إلى شعيرة يومية. وزير الكهرباء يعطي مواعيدا للتغذية بالتيار الكهربائي، ثم يعود ويقول “لقد فشلت”. وزير الاقتصاد أعلن أننا دولة فاشلة. “جمهور المقاومة” يُشعل إطارات في زقاق البلاط على بعد أمتار من القصر الحكومي، هناك حيث يقيم الرئيس الذي اختارته المقاومة للإقامة في القصر. شركات الإعلانات تباشر حملة أم “campaign” أعلنت فيها أن “لبنان بلد الإعلان”، ولم تكشف لنا الحملة عن ماذا سنعلن، ومن أين نأتي بموازنات الإعلان! الحملة بدت جزءا من مشهد الحمق اللبناني، وامتدادا لما كشفه لنا الرئيس لجهة أن فرنسا تنقصها المعلومات عن حقيقة الوضع اللبناني.
النافذة الضيقة الوحيدة التي لاحت للبنان بوصفها احتمالا، أقفلها رئيس حكومة لبنان الكبير
وليد جنبلاط قال: “لقد حان موعد تغيير رئيس الحكومة”. جنبلاط ابن النظام، وهو ما زال ساعيا إلى مداواته بالعدة التي دأب عليها. المعادلة مختلفة تماما اليوم. لقد فات النظام قطار التسويات، والقضية صارت أكبر من تغيير رئيس الحكومة. صندوق النقد الدولي لحق بـ”باريس 2″ وصار خلفنا. لبنان اليوم بلا حكومة، والإدارات العامة في العراء. حسان دياب نفسه غرد متسائلا “أين هي الدولة”! وسعد الحريري، الرجل المنشرح والسعيد، استدعى الصحفيين وأبلغهم أنه مع سد بسري وضد “حزب الله”.
عباس إبراهيم، مدير الأمن العام، يتولى اليوم كل المهام. يسافر ليطلب المساعدات، ويلتقي بالبطريرك الماروني بشارة الراعي ليبحث معه بـ”حياد لبنان”، ويجتمع بأصحاب المولدات الكهربائية! أي فراغ يمكن أن يملأه هذا الرجل؟ ومن أوكل إليه كل هذه المهام. ليس الوقت الآن للشك والتساؤل والاستنتاج، بل للتحقق من هذا الفراغ الهائل، ومن السقوط المدوي لكل شيء.
لبنان اليوم ليس في عين العاصفة، لقد أنجزت العاصفة مهمتها وقذفت به إلى خارج منطقة اشتغالها. هو اليوم كيان بلا وظيفة ولا قوة، والأهم أنه بلا مستقبل. الدولة صارت جثة، والنظام خليط من حمق وفشل وغباء. “حزب الله” اليوم في مأزق كبير، فهو لطالما استمد وظيفته من الخارج واستعان بنا لكي يمارس سلطته. اليوم صار الحزب وظيفة مجردة من أهلها. وظيفة في صحراء قاحلة. نستجيب له كما يستجيب الميت لغاسله، وليس كما يستجيب المريد لشيخه على ما كنا نفعل.
حازم الامين _ الحرة