موقف الراعي فاتيكاني ودولي.. ماذا سيفعل حزب الله وعونه؟
يضيق هامش المناورة لدى رئيس الجمهورية ميشال عون أكثر فأكثر. زيارة البطريرك الماروني بشارة الراعي قصر بعبدا، وبقاؤه على الموقف الذي أطلقله نداء من بكركي، يعنيان أن لبنان ينتقل إلى مرحلة سياسية جديدة، عنوانها المسيحيون والساحة المسيحية.
بلورة فاتيكانية
راهن كثيرون على تغيير البطريرك الماروني موقفه بعد لقائه رئيس الجمهورية. لكن الراعي بقي على موقفه. وليس مصادفة نشر حديثه في وسيلة إعلام فاتيكانية، بعد زيارته بعبدا، لإظهار أن موقف البطريرك هو موقف فاتيكاني. وهذا ما سيكون عميق الأثر في نفوس المسيحيين وقراءاتهم التطورات السياسية اللبنانية.
تبنّى الفاتيكان موقف الراعي. والأرجح أن الراعي تبنى موقف الفاتكيان. والأهم أن الموقف تبلور بعد اجتماع رباعي في الفاتيكان حضره مسؤولون أميريكون، فرنسيون وبريطانيون، إلى جانب مسؤولين فاتيكانيين.
حزب الله وعونه
وسارع حزب الله للالتفاف على موقف الراعي. فهو لا يطيق قط أي موقف مسيحي علني قادر على تصدر جبهة في مواجهة خياراته. فأوفد “تجمع العلماء المسلمين” إلى قصر بعبدا، بالتزامن مع زيارة السفير الإيراني في بيروت إلى الديمان، ليؤكد أن طهران لا تتدخل في الشؤون اللبنانية.
بزيارة تجمع علمائه المسلمين قصر بعبدا، انتزع حزب الله من عون موقفاً مؤيداً له، في الكلام الذي أطلقه عون عن مواجهة الإرهاب والدفاع عن النفس الذي لا بد منه، بمعزل عما إذا كان لبنان حيادياً أم غير حيادي. وهكذا ضمن حزب الله استمرار عون إلى جانبه.
تصدع اللفيف العوني
لكن مواقف الراعي لم يعد في الإمكان تجاوزه. فهو موقف فاتيكاني، بما يحمله من تقاطعات وارتباطات دولية، وما له من تاثير على مواقف دول عديدة. وهذا يحرج القوى المسيحية، لا سيما التي لديها علاقة قوية بحزب الله. وخصوصاً اللفيف العوني.
القاعدة العونية المسيحية مهتزة أصلاً، وهي لم تتوقف عن الاهتزاز والتغير والاستبدال منذ عودة عون إلى لبنان. وهي تصدعت مع استيلاء باسيل على صدارتها وإزاحة سواه إلى الهوامش. واستمر تصدعها أثناء انتفاضة 17 تشرين والانهيار المالي والاقتصادي.
والتساؤلات عن مصير المسيحيين ترتفع حدتها في اللفيف العوني. ووصل الأمر إلى حدّ اشتباك كلامي بين وزيرة العدل ماري كلود نجم، والنائب حسن فضل الله. وبعدها جاء تصريح وزير الطاقة عن تبخّر المازوت وتخزينه وتهريبه، وهو يقصد حزب الله حتماً، ليضفي على العونية صورة متمايزة عن الحزب.
هذا على صعيد اللفيف السياسي العوني. أما القاعدة الشعبية وقطاع رجال الأعمال وسواهم على الساحة المسيحية، فموقفهم أصعب وأوضح. فهؤلاء لا يطيقون التوجه شرقاً، وغير مستعدين إطلاقاً لإدارة الظهر للغرب، أو الوقوف في مواجهة أميركا. وهم يعتبرون أن الاستمرار بهذه المواجهة يؤدي إلى مزيد من الإفقار والتدمير، وتدفع المسيحيين إلى خسارة موقعهم واللجوء إلى الهجرة.
عون نفسه في حرج وبين موقفين: إما التمايز عن حزب الله إلى حدّ بعيد، وإما البقاء في موقعه. هو غير قادر على الانفكاك عن حزب الله. ففي حال انفكاكه يتقدّم المشهد ويتصدره حزب الله، ويسيطر على البلد سيطرة خانقة، حتى للمسيحيين.
عون شبيه لحود؟
هذا لا بد أن يحرك وجدان المسيحيين. ردود الفعل الأولى بدأت تظهر: تحضير لتظاهرات شعبية نهار الأحد 19 تموز من جونية إلى الديمان، للمشاركة في القداس الذي يترأسه الراعي. التحرك احتضان مسيحي للبطريرك ومواقفه، ما يدفعه إلى المضي بهذه المواقف، ويحفّز آخرين للانضمام إلى هذا الخطّ. وقد يفكر آخرون بتشكيل كتلة نيابية تنضوي تحت لواء بكركي ورايتها.
أما بقاء عون في كنف حزب الله، فينعكس مشكلة لبنانية عميقة بمعانيها السياسية والاقتصادية، وقد تجعل عون شبيهاً بإميل لحود بعد اغتيال الحريري.
يتمسك الحزب أكثر بعونه وحكومته وسلطته. وسيعمل على مكافأة عون داخلياً عندما تحين لحظة التفاوض الدولي. لكن إلى أن يحين ذاك الموعد، يكون عون وبيئته وقاعدته تحت ضغط كبير. قد يُلوّح مجدداً بفرض عقوبات على جبران باسيل. وإجراء من هذا النوع يمنع باسيل من تولي حقيبة وزارية، فكيف برئاسة الجمهورية؟
منير الربيع _ المدن