تحت المجهر

تلازم الانهيارين السوري واللبناني وتسابق الانهيار في فنزويلا وإيران

جميع الطرق تؤدّي الى طهران في مسارات العقوبات الأميركية الممتدة من فنزويلا الى سوريا مروراً بلبنان، انما ذلك لا يلغي أهمية استهداف الشخصيات في المحطّات وفي مقدّمتها الرئيس الفنزويلّي نيكولا مادورو والسوري بشار الأسد والأمين العام لحزب الله حسن نصرالله.

روسيا والصين دقّقتا في الخيارات المتاحة أمامهما في فنزويلا ازاء التطويق الأميركي التام لقدرات فنزويلا على بيع نفطها عبر نظام عقوبات يَدبُّ الرعب في قلوب الشركات الضخمة منها والمتوسطة – فوقع خيار موسكو وبكين على لملمة النفس والتلويح وداعاً لفنزويلا وصديقهما القديم مادورو الذي هرول الى إيران لتمدَّ له يد المعونة. لكن الولايات المتحدة كانت له هناك بالمرصاد بعدما قايض أطنان الذهب الفنزويلي بناقلات من النفط الإيراني، ففرضت العقوبات على 125 ناقلة وطوّقت هذا المنفذ الوحيد أمام كاراكاس وطهران، وبدأ العد العكسي الى انهيار كامل في فنزويلا يزيل مادورو من السلطة.

محطّة بشار الأسد حملت عنوان “قانون قيصر” الذي يتعهّد بعدم السماح للأسد وكل مَن عاونه في ارتكاب الجرائم بالإفلات من العقاب – بما في ذلك روسيا وإيران وحزب الله. هدف واشنطن قد لا يكون الإطاحة بالأسد بقدر ما هو إجبارِه على إخراج إيران من سوريا بالدرجة الأولى وثانياً الخضوع لعملية سياسية سورية دستورية داخلية تؤدّي الى تقاسم السلطة أو إخراجه منها إذا رفض.

حسن نصرالله جاهز لتقديم لبنان بِرُمته فدية للجمهورية الإسلامية الإيرانية بملاليها وحرسها الثوري وعقيدتها وثقافتها، وهو على أهبة الاستعداد لضمان تلازم الانهيارين في سوريا ولبنان على نسق ما كانت دمشق تأمر به وسُمّي بتلازم المسارين التفاوضيين السوري واللبناني مع إسرائيل. لجوء حسن نصرالله الى خطة خرافية قوامها إنقاذ لبنان من الانهيار عبر البوابة الإيرانية لإلغاء “دولرة” الاقتصاد dollarization واستبداله بـ”مداكشة” مع إيران بالليرة اللبنانية، إنما هو الطريق السريع لتحويل لبنان الى فنزويلا، بل لربما أيضاً لإيصال الرؤساء الثلاثة في لبنان – رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، ورئيس الحكومة حسان دياب – الى مصير نيكولا مادورو الحتمي. وحتماً لن تهرول روسيا أو الصين الى الشراكة التي يسوّقها حسن نصرالله بأنها البديل المضمون لأن أولويات موسكو وبكين أميركية وليست انتحارية – وفنزويلا مثال.
كلام زعيم حزب الله أتى عشيّة بدء تطبيق “قانون قيصر” الذي انطلق من عقوبات فرضتها واشنطن على أعلى مستوى من القيادة في سوريا بدءاً ببشار الأسد وزوجته أسماء الأسد واخوانه ضمن 39 شخصية تم وضعها على اللائحة السوداء.

تحدّى نصرالله القانون الذي تبنّاه الكونغرس الأميركي وتعهّد بالتمسّك بفتح المعابر الى سوريا وبعدم السماح بسقوط سوريا في الحرب الاقتصادية عليها وقدّم لبنان ذخيرة للأسد لمقاومة “قيصر”.

وسَّع نصرالله بيكار “إذا شاء اللبنانيون أو أبوا” ليس فقط عبر جرّ لبنان الى مواجهة أميركا وإنما أيضاً بطبع “المقاومة” على حدوده مع سوريا لإلحاق الهزيمة بقانون قيصر.

قال “إذا أرادوا ان يوصلونا الى معادلة (الخبز مقابل سلاح المقاومة) ستكون لنا معادلة لن نكشف عنها الآن”.

وأضاف “لدينا معادلة مهمة وخطيرة – ولن أتحدّث عنها – في حال استمر الأميركيون في محاولتهم لتجويع اللبنانيين” مؤكّداً انه أمام “من سيضعنا بين خيار القتل بالسلاح أو الجوع سيبقى سلاحنا في أيدينا. ونحن سنقتله”. أكّد ان موضوع سلاح المقاومة هو “بالنسبة لبيئة المقاومة جزء من ثقافة وعقيدة استراتيجية وأعمق بكثير مما يطرحه البعض”.

الممثل الأميركي الخاص لموضوع إيران، براين هوك، اعتبر مواقف حسن نصرالله بأنها دليل “ضعفه” بسبب العقوبات وهو “يذرف دموع التماسيح” فيما ما فعله هو أنه “قوّض أمن وازدهار ورفاهة الشعب اللبناني بنفس الطريقة التي فعلها النظام الإيراني بالشعب الإيراني”.
تعهّد هوك بتضييق الخناق على إيران وحزب الله في سوريا وقال “ان الولايات المتحدة ستحجب كل مساعدة لإعادة البناء في سوريا الى حين مغادرة جميع القوات الخاضعة للقيادة والسيطرة الإيرانية البلاد. فعلى إيران أن تغادر سوريا وأنا أرى الآن ان هناك حوافز لكل من (فلاديمير) بوتين والأسد في وقت ما للدفع بإيران الى المغادرة”.
خلاصة هذا الموقف هو ان الولايات المتحدة ستدفع بالمزيد من اللااستقرار في سوريا، عبر العقوبات الاقتصادية الخانقة وحجب إعادة البناء، لإجبار روسيا على إعادة النظر لأن سوريا غير المستقرّة تورّط روسيا في سوريا. استراتيجية واشنطن الآن هي الدفع بموسكو، ولو مُكرهةً، الى الانفصال عن إيران وحزب الله في سوريا، وإلاّ، فإنها بدورها مرشّحة للمحاسبة وللعقوبات ووضع شركاتها على القائمة السوداء بموجب قانون قيصر.

تجربة روسيا في فنزويلا مريرة لأن العقوبات الأميركية أجبرت كبار شركاتها النفطية على المغادرة، وبذلك، خسرت روسيا موقع قدمٍ بالغ الأهمية لها في أميركا اللاتينية، فلم يبقَ لها سوى كوبا. لم تتمكّن موسكو من مساعدة حليفها مادورو، وكذلك الصين، وهي لا تريد مصير مغادرتها سوريا كما اضطرت لمغادرة فنزويلا.

المبعوث الأميركي الخاص المكلّف ملف الضغوط والعقوبات على فنزويلا، إليوت ابرامز، كان يتحدّث في الجلسة المستديرة الافتراضية لمؤسسة بيروت انستيتوت التي استضافته سويّاً مع براين هوك عندما قال “روسيا تراجعت في فنزويلا. وماذا فعلت شركة روسنفت (النفطية) تحت ضغوط العقوبات الأميركية؟ قالوا فوراً: هيّا بنا. نحن خارجون فوراً. إذن، روسنفت لا علاقات عمل لها في فنزويلا. والاستثمارات الصينية في فنزويلا لعامي 2019 و2020 هي صفر. ولذلك انتهت (فنزويلا) في زاوية صغيرة مع إيران”. أضاف “انه لمثير للانتباه ان لا روسيا تبعث الغازولين ولا الصين وإنما إيران فقط”.

توقّعات ابرامز هي أن إيران بدورها ستتوقّف “وسنرى ان كان لديها ما يكفي من الناقلات للقيام بذلك” في إشارة الى العقوبات الأميركية على الناقلات التي تنقل النفط والغاز والمازوت من إيران. واكّد ابرامز أن في حال إثبات تورّط رجال أعمال أتراك أو سياسيين أتراك في انتهاك العقوبات المفروضة على فنزويلا “سنضعهم تحت العقوبات”.

لافت كانت مقارنة ابرامز بين قيادة نيكولا مادورو لفنزويلا وبشار الأسد لسوريا من ناحية عدد اللاجئين والمشرّدين إذ قال ان “ديكتاتورية مادورو خلقت 5 مليون مشرّد ولاجئ وهذا عبء كبير على أميركا اللاتينية وأميركا الجنوبية وبالذات منطقة الكاريبي فهذه أكبر أزمة لاجئين في تاريخ أميركا اللاتينية. ومع نهاية هذه السنة، ستكون أكبر من أزمة اللاجئين السوريين وكل ذلك نتيجة أفعال رجال وليس بسبب هزّة أرضية أو تسونامي. انها حصيلة فساد حكّام الرشوة والوحشية. ورأينا ان الحل ببساطة هو: على هؤلاء أن يرحلوا”.

من يرحل أولاً؟ الأرجح مادورو لأن الوضع في فنزويلا في غاية السوء ولأن العقوبات الأميركية أدّت فعلاً الى تكبيل مادورو. السياسة الأميركية تنطلق من أن الثمن الذي دفعته فنزويلا هو ما فرضه عليها مادورو وهو الوسيلة الوحيدة لاستعادة البلاد من الفساد والديكتاتورية. مصير الأسد أبطأ والعقوبات عليه ومحيطه لن تنتهي عند الجولة الأولى أو الموجة الأولى من الأسماء.

براين هوك أكد ان وضع بشار وأسماء الأسد على القائمة يثبت “جدّيّتنا” وقال “على الجميع أن يفهم انه إذا كنّا مستعدّين لوضع الأسد على القائمة، يجب على أيٍّ كان له علاقة بهذه الفظائع الذي ارتكبها أن لا يشعر أنه في أمان”. وأكّد هوك ان “المزيد آتٍ” من أسماء مرشّحة للعقوبات والقائمة السوداء ليس بالضرورة من سوريا فقط وإنما من لبنان وغيره.

اعتاد اللبنانيون على لوم الآخرين امّا بحجّة توريطهم أو بذريعة عدم إنقاذهم فيما هم – بمعظمهم – يقبعون اما في حماية زعيمهم الطائفي، أو في كسل بنيوي خلّفته أنانية “البسط أولاً”. إذا كان هذا خيارهم، فليكف هؤلاء عن التظاهر بالغضب وطفح الكيل من فساد قياداتهم، وليُراجع اللبنانيون أنفسهم أمام واقع رهيب هو التالي: انتفاضة 17 تشرين الأوّل كانت رائعة ووعدت بالتغيير الى أن اقتنصها الحزبيون من جميع الجهات – أولئك الذين في السلطة وأولئك الذين يحلمون بالسلطة مثل الشيوعيين واليساريين عامة. انتهت “نزهة” الثورة الجميلة عندما اقتحمها رجال الطبقة الحاكمة التي عادت بلا خجل – وبلا احتجاج يُذكر – الى الواجهة بلا محاسبة. تم الهاء اللبنانيين بأموالهم فنسوا بسرعة أن بلدهم على شفير الانهيار على أيادي رجال السلطة أنفسهم الذين أفشلوا فكرة التغيير وقمعوا الثورة وقهقهوا على سذاجة الشعب اللبناني واستأنفوا التسلّط والنهب والتوريط بلا هوادة.

فيا لبنانيون استمعوا جيداً الى ما قاله حسن نصرالله، فهو لا يضلّلكم. انه يصارحكم. قراره هو: تلازم الانهيارين السوري واللبناني، وضع لبنان في عهدة إيران، والحرب مع الولايات المتحدة عبر حدود لبنان الشمالية. فهو قال ان لديه “معادلة مهمّة وخطيرة – ولن أتحدّث عنها” تاركاً المساحة للمفاجأة التي قد تكون على نسق مفاجأة “لو كنت أعلم” عام 2006.

واسمعوا جيداً ما يقوله الأميركيون بأن إنقاذ لبنان ليس مهمّة أميركية وإنما هو مهمّة لبنانية حصراً عنوانها عدم الرضوخ لما أسماه حسن نصرالله “ثقافة وعقيدة واستراتيجية بيئة المقاومة”، المتمسّكة بالسلاح. فاختاروا وكفّوا عن التذمّر ورفع شعار “ما في اليد حيلة”.
قانون قيصر لا يهدّد الشخصيات فحسب وإنما هو دليل أميركي الى المحاسبة والمواجهة بالعقوبات والعقاب. الأجدى بقيادة حزب الله أن تأخذ ورقة من كتاب فنزويلا لتدرك أن بهلوانية النفط مقابل الذهب لم ولن تنقذ نيكولا مادورو وان هذا ليس وقت البهلوانية فيما لبنان يغرق في الانهيار. والأجدى بالرئاسات اللبنانية الثلاث التي تؤمّن الغطاء لحزب الله أن تعي أنها هي أيضاً مرشحة للمحاسبة اما بموجب قانون قيصر أو بسبب تخاذلها وشراكتها في جر لبنان الى الهاوية.

وكي لا يظنن احد في الطبقة السياسية المتسلطة على البلاد باجمعها ان انتماءها الى كارتيل الحكم في لبنان سيحميها من المحاسبة، اليها تذكير بسيط بان كارتيل بابلو اسكوبار لاقى حتفه البشع فيما كان مقتنعاً ان مصيره هو الافلات من العقاب.

المصدر : إيلاف

Show More

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button