هل اصبحت طريق القدس تمر من بلدة لاسا؟
في شهر نيسان من العام 2018 ، سلّم رئيسا اتّحاد بلديات الفتوح جوان حبيش “مفتاح” كسروان – جبيل إلى أمين عام حزب الله حسن نصر الله تأكيدًاً على متانة التّحالف بينهما. وبعد عدّة أشهر، ردّ حزب الله الهديّة بتسليم رئيس التّيّار الوطنيّ الحرّ جبران باسيل قذيفة موقّعة من حزب الله كانت قد استُخدمت في معارك جرود عرسال عربون وفاء وقرأه البعض على أنّه تأكيدٌ على حماية سلاح الحزب لمسيرة التّيّار في الحكم.
طريق القدس
في الواقع، إنّ ما تشهدُه بلدة لاسا من قِدَمِ أراضيها ومنع أصحابها من استثمارها، ليس سوى نتيجة صغيرة لمفاعيل سلاح حزب الله الّذي بات يستبيح المحرَّمات ويُسقط قدسيّة الملكيّة الخاصّة في عمليّة استيطان ممنهجة ومدروسة لأهداف استراتيجيّة، حيث يظهر الحزب استماتة مثيرة للقلق حول نواياه، لدرجة أنّها تترك المجال للشّكّ إذا ما كانت طريق القدس تمرّ مِن لاسا. الأمر ليس خلافاً عقاريّاً كما وأنّه ليس نزاعًا فرديًّا ولا “عشائريًّا”، ألم يقُل أمين عام حزب الله يوماً أنّ “مناطق كسروان وجبيل هي مناطق للمسلمين وقد جاءها المسيحيّون غزاةً وقد جاءت بهم الإمبراطوريّة العثمانيّة ليكونوا شوكةً في خاصرة الأمّة”؟ فهنا يكمُن بيتُ القصيد، وهذا هو البعد التّاريخيّ لِما يحدث في لاسا. لاسا ليست البلدة الوحيدة الّتي اضطُهد أهلُها أو طالها التّغيير الدّيمغرافيّ، لننظر إلى جنوب لبنان ونسأل أين مسيحيّو صور والنّبطيّة؟ مَن سيطر على مشاعات واسعةٍ كانت ملكاً للدّولة اللّبنانيّة في النّبطيّة وبنت جبيل وغيرها من المناطق الجنوبيّة والبقاعيّة؟ أليست المشاعات ملكاً للشّعب اللّبنانيّ؟
تغيير ديمغرافيّ
ربّما تتوجّهُ الأنظار اليوم إلى لاسا، إلّا أنّ هذه البلدة ليست سوى نقطة في بحر مشروع الاستيطانيّ الدّيمغرافيّ لتغيير وجه لبنان، فالطّريق السّاحليّ مِن صيدا إلى بيروت شهد تغيّرات ديمغرافيّة وسكّانيّة هائلة، أمّا في خلدة والشّويفات والحدث فانكفأ الدّروز والمسيحيّون وتآكل وجودُهم أمام هجمة مذهبيّة أتقنت عمليّة التّغيير الوجوديّ التّاريخيّ لهذه المناطق. أمّا مِن ناحية السّعديّات وإقليم الخروب، فتشهد المنطقة تقلّصاً كبيراً في تواجد الطّائفة السنية، فتوسُّع المجمّعات السّكنية ونموّها السّريع لا يعطي انطباعاً بتوسّع ديمغرافيّ طبيعيّ في المنطقة، وبخاصّةٍ عندما ترى أنّ بيع الشّقق السّكنية له شروطه المذهبيّة وحوافزه الماليّة، بالإضافة إلى أنّه في مدينة صيدا، عاصمة الجنوب، تراجع سكّانها إلى حارة صيدا وشرقها، ليصبح الأوتوستراد الجنوبيّ من بيروت إلى شمال إسرائيل تحت قبضة “المقاومين”، إلّا أنّ طريق القدس الأقرب والأسهل يلتفّ ليمرّ بمناطق ومدن وقرى، لأنّ الهدف الحقيقيّ إنشاء “الدّولة الإسلامية في لبنان” كما ورد حرفياً على لسان نصر الله، وأنّ دفعته “التقية” مرحليّةٌ للتّستر حتّى تأتي السّاعة.
السّكوت شراكة
اليوم لاسا تصرخ، وأهلُها يُضطهَدون وأرضها تُستباح، في حين أنّ اللّوم ليس على حزب الله، فللحزب مشروع يعرفه الجميع وقاله علَناً أمينه العام “أنا جنديٌّ في ولاية الفقيه”، حتّى أنّ رئيس الجمهورية ميشال عون حذّر يوماً من الفرس ومن ولاية الفقيه، وهنا اللّوم الكبير الّذي لا يقع فقط على صاحب المشروع الخبيث، فإنّ مَن كان يعلم ولكنه بات لا يعلم يتحمّل مسؤوليّة كبرى. إنّ قضيّة لاسا ليست على حجم لاسا ولا كسروان ولا جبل لبنان، بل هي قضيّة وطن وقضيّة وجود، فمسيحيّو لاسا وجبل لبنان ولبنان هم هُويّة لبنان، والمشكلة أنّ المؤامرة ليست فقط من غير المسيحيّين، إنّما كما يقول المثل “دود الخلّ منه وفيه”، فسكوت المؤسّسات والفعاليّات والأحزاب والكنيسة مشارَكة في تغيير وجه لبنان، وهؤلاء مطالبون ليس بمؤتمر صحفيّ أو بإصدار بيانات واستنكار، إنّما بخطوات ترتقي لمستوى الخطر.
طوني بولس – راديو صوت بيروت إنترناشونال