الإطاحة بكمال حايك.. لحماية وزراء التيار
خضر حسان – المدن
الجميع يتنازع على مؤسسة كهرباء لبنان. الكل يقرّ بحجم إرهاقها للخزينة العامة ويقرّ باستفحال الفساد داخلها، وبضرورة خصخصتها بعد استحالة إصلاحها. ومع ذلك، الكل يتسابق للسيطرة عليها.
السباق يبيّن الاستفادة التي تضمنها المؤسسة للممسكين بقرارها، سواء من جهة وزارة الطاقة أو من المواقع الادارية داخلها. على أن موقع الوزارة هو الأقوى. وهو ما استند إليه المدير العام ورئيس مجلس إدارة المؤسسة كمال حايك. إذ وضع نفسه في خدمة وزراء الطاقة، ظناً منه بأنه يحافظ على منصبه، وربما يحقق استفادة أخرى.
مع اشتداد الصراعات والكشف عن ملفات الفساد، كأوراق ضغط يلعبها الخصوم ضد بعضهم البعض، لم يجد التيار العوني حرجاً في التضحية ببعض لاعبيه، وأبرزهم كمال حايك. فلماذا فرّط التيار بإسم “كبير” في اللعبة، كان يؤمّن خطاً “عسكرياً” لمشاريع العونيين في المؤسسة؟
الحاكم المطلق
أصرّ وزراء الطاقة المتعاقبين على عدم تشكيل مجلس إدارة لمؤسسة الكهرباء، ليتفلّت حايك من أي صوت اعتراضي داخل المجلس. ولتدعيم سلطة حايك، عرقل الوزراء تعيين المدراء من الفئة الوظيفية الثانية، والذين يأتي ترتيبهم الوظيفي مباشرةً تحت المدير العام. فهؤلاء لا يحق للمدير العام إقالتهم من منصبهم إلاّ عبر مجلس الخدمة المدنية. ولذلك، استعيض عن المدراء الأصيلين بمدراء بالتكليف، من موظفي الفئة الثالثة، فيصبح المدير العام قادراً على إقالتهم من دون العودة إلى مجلس الخدمة المدنية، وبالتالي التحكم بقراراتهم وضمان موافقتهم على ما يريده.
بات حايك الرجل الأقوى في المؤسسة، بدعم من وزراء الطاقة. لكنه نسي أن قوته النابعة من مركزه الوظيفي وسلطته التي يكفلها القانون، أصلب من القوة التي تستند إلى الدعم السياسي. فالحالة الأولى تحميه وترفعه، والثانية تدينه وتُغرقه. الأولى تعطيه سلطة تعلو فوق سلطة الوزير أحياناً، والثانية تجعله أسير الوزراء المتعاقبين وتمنعه من تعديل المسارات، حتى وإن أراد الخروج من اللعبة. فالارتهان للوزراء هو خطٌّ باتجاه واحد لا عودة فيه ولا خروج عنه، إلاّ بالتضحية بالنفس على مذبح الفساد.
قضية الفيول
أكثر من استحقاق كان لحايك بصمات فيه، من مقدمي الخدمات إلى العدادات الذكية والشركات الاستشارية والمياومين.. وصولاً إلى الفيول المغشوش.
وجد حايك نفسه منخرطاً في لعبة لم يقرأ تفاصيلها جيداً، وغابت عنه خفاياها ونهايتها. حاكَ الوزراء تفاصيلها بعناية، ورسموا للمدير العام أحلاماً وردية وأوهموه بالحماية وعدم التخلي عنه. فظنّ حايك أنه ركن دائم في اللعبة، فبات يوافق على أي شيء يريد الوزراء تمريره، من عقود، مشاريع، نتائج دراسات، تقارير، توظيفات وما إلى ذلك.. وصولاً إلى الفيول المغشوش، الذي يملك المدير العام حق التدقيق بالشحنات والاعتراض على ادخالها واستعمالها. لكنه بدل ذلك، وافق عليها مراراً، مع علمه بنوعية الفيول والنتائج السلبية التي لحقت ببواخر الطاقة ومعمل الجية الجديد، نتيجة الفيول المغشوش.
قضية الفيول هي السبب المباشر لملاحقة حايك قضائياً. إذ ادّعت عليه النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان، القاضية غادة عون، بجرم التقصير الوظيفي، وذلك في إطار متابعة قضية الفيول. وللمفارقة، كان يمكن لحايك التملّص من هذا الملف فيما لو رفع الصوت منذ العام 2013 على الأقل. لكن كيف يفعل وهو المحكوم بقواعد اللعبة؟
وعليه، أفقَدَ حايك نفسه سلطة الاعتراض على شحنات الفيول المغشوش. ولم ينتفض رغم تضرر المعامل من نوعية الفيول السيئة، ولم توقظه عملية تقليص عدد “السيباريتورز” وهي المعدات التي تنظّف الفيول، ولم يهزّه اتيان وزارة الطاقة بـ”شركة استشارية وهمية استعملت اسم شركة أوروبية أقفلت أبوابها ولم تعد موجودة، وباتت تعد التقارير للوزارة حول امكانية تخفيض عدد منظّفات الفيول في المعامل، ما أفضى إلى ضرب المحرّكات”، وفق ما تشير إليه مصادر في مؤسسة كهرباء لبنان، في حديث لـ”المدن”.
خطوة استباقية
لا شيء يخرج أو يدخل إلى المؤسسة من دون علم وموافقة المدير العام، ومن هنا تأتي قوة حايك التي تحوّلت إلى ثقل يزيده غرقاً بعد تخلّي التيار العوني عنه.
فالتيار قرر القيام بخطوة استباقية تحت ذريعة مكافحة الفساد، فيما الحقيقة في مكان آخر. فالتيار يريد إعادة ترتيب وضع وزارة الطاقة ومؤسسة الكهرباء، والتخلص ممّن لم يعد بالامكان تبييض صفحتهم.
والتخلص من كمال حايك يخدم عملية تشكيل مجلس إدارة جديد، ليتمكن التيار العوني من خوض المعركة مع باقي الأطراف، عبر لاعب جديد ليس مغمّساً بالفضائح، ويصعب الاعتراض عليه، على عكس الابقاء على حايك الذي احترقت ورقته لدى كل الأطراف السياسية.
ويركّز العونيون على المدير العام للمؤسسة، لعلمهم بالصلاحيات الواسعة له، فهو المسؤول عن وضع موازنة المؤسسة وتطبيقها بعد عرضها على وزيريّ الطاقة والمالية. وهو الذي يملك سلطة صرف 700 مليون دولار تبقى في درج المؤسسة ولا تذهب إلى الخزينة العامة ولا إلى مصرف لبنان.
ولضمان حسن سير عملية التنظيف الذاتي، حدد العونيون هوية المسلك القضائي الذي يضمن التخلص مّمن يُراد التخلص منهم بطريقة سهلة وسريعة. كما يضمن هذا المسلك إمكانية تخفيف وطأة الأحكام القضائية بحق الخارجين من اللعبة. وهذا الخيار هو خطوة صحيحة من وجهة نظر العونيين، لأن التخلّص من حايك عبر قضية الفيول، يجنّبه ويجنّبهم، فضح ملفات أكثر خطورة من ملف الفيول