“أوباماغيت” فضيحة سياسية جديدة تطارد “الديمقراطي الأميركي”
في خضم معركة سياسية حامية بين الديمقراطيين وخصمهم في البيت الأبيض، اتهم الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، سلفه السابق باراك أوباما بقيادة “انقلاب” لتخريب فترة رئاسته للولايات المتحدة. يأتي ذلك بعد الكشف عن وثائق سريّة تؤكد معرفة الرئيس السابق بتحقيق لمكتب التحقيقات الفيدرالي يتعلق بمكافحة التجسس ضد مايكل فلين، مستشار الأمن القومي الذي عيّنه ترمب في مستهل توليه إدارة البلاد في يناير (كانون الثاني) 2017.
فخلال اليومين الماضيين، أطلق الرئيس الأميركي سيلاً من التغريدات حملت عنوان “أوباماغيت” نسبة إلى الفضيحة السياسية “ووترغيت” التي تعود لعام 1972 عندما ثبت تجسّس البيت الأبيض على مقرات الحزب الديمقراطي. واتهم ترمب سلفه بارتكاب أكبر جريمة سياسية في التاريخ الأميركي، قائلا إن “أوباما استغل أسابيعه الأخيرة في السلطة لاستهداف مسؤولي الإدارة الجديدة والسعي لتخريبها”.
تتعلق الفضيحة بشكل رئيس بتحقيقات التدخل الروسي المزعوم في الانتخابات الأميركية الرئاسية 2016، حيث واصل الديمقراطيون منذ فوز ترمب على المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، التشكيك في نزاهة العملية الانتخابية والزعم بأن حملته تواطأت مع روسيا للفوز في الانتخابات من خلال دعايات عبر الإنترنت والحصول على معلومات تضرّ باللجنة الديمقراطية التابعة للحزب الديمقراطي.
وكان مايكل فلين إحدى الشخصيات الرئيسة التي وجهت إليها الاتهامات بالتعاون مع روسيا بسبب محادثات عقدها مع السفير الروسي في واشنطن بشأن اتفاقات تتعلق بالعلاقات بين البلدين في أواخر عام 2016.
وفي فبراير (شباط) 2017، بعد أقل من شهر من تولي إدارة ترمب الحكم، تمت إقالة فلين كأول مستشار للأمن القومي في الإدارة الجديدة بسبب الكذب على مايك بنس، نائب الرئيس، بشأن هذا اللقاء.
وقد أقرّ فلين بالكذب أيضاً على المحققين في هذا الصدد، لكن وثائق قضائية أشارت إلى أن اعترافه بالكذب على مكتب التحقيقات الفيدرالي، أمر جدليّ نظراً إلى أن هذه الأكاذيب لم تكن مهمة في توجيه تهمة التجسس.
والأسبوع الماضي، أسقطت وزارة العدل الأميركية التهم الموجهة إليه، معتبرة أن التحقيق لم يستند إلى أساس مشروع. غير أن ما أشعل غضب ترمب ودفعه إلى إطلاق هاشتاغ “أوباماغيت”، هو تسريب للرئيس السابق انتقد فيه قرار وزير العدل ويليام بار بإسقاط التهم ضد فلين.
وجاء التسريب الصوتي للرئيس السابق بعد يوم من الكشف عن طلبه من سالي بيتس، نائبة وزير العدل في إدارته، بفتح مكتب التحقيقات الفيدرالي تحقيقاً مع فلين بشأن اتصالاته بالروس. وبحسب شبكة “فوكس نيوز” الأميركية، ففي 5 يناير 2017، أي قبل تنصيب ترمب رسمياً، حضرت بيتس اجتماعاً في المكتب البيضاوي مع الرئيس أوباما وعدد من مسؤولي الأمن القومي وأعضاء إدارته، بينهم المرشح الحالي للرئاسة جو بايدن، لمناقشة الأمر.
وفي مقابلة الأسبوع الماضي، قال بار عندما سئل عما إذا كانت إدارة أوباما نصبت فخاً لفلين “نعم، بشكل أساسي”، وأوضح أنهم بدأوا التحقيق منذ صيف 2016 خلال الانتخابات، لكن في ديسمبر (كانون الأول) توصّل فريق التحقيق إلى أنه لا يوجد ما يبرر الاستمرار في هذا التحقيق.
وعلاوة على ذلك، كانت قناة “فوكس نيوز” أفادت في عام 2017 بأن الكشف عن هوية فلين يمكن أن يكون “جناية يعاقب عليها بالسجن لمدة تصل إلى 10 سنوات” لأن “القواعد تنصّ على أنه إذا تم القبض على أميركي يتمتع بحماية دستورية في مثل هذه المراقبة، فيجب حماية هويته”.
“اللعب القذر”
وفي افتتاحيتها هذا الأسبوع، قالت صحيفة “نيويورك بوست”، إن أوباما “يعرف كيفية اللعب القذر”، مضيفة أنه بات من الواضح الآن أن مكتب التحقيقات الفيدرالي الذي كان يرأسه جيمس كومي في ذلك الوقت، وأوباما، ووزارة العدل، لم يكن لديهم أي شيء أكثر من خيال مثير للضحك بشأن ملف كريستوفر ستيل، لتبرير تحقيق “مكافحة التجسس” في حملة ترمب.
و”ستيل” هو ضابط استخبارات بريطاني سابق استعانت به حملة كلينتون، عبر تعاقدها مع شركة “فيوجين جي بي إس” لجمع معلومات عن صلات ترمب بروسيا، كما أن له صلات بمكتب التحقيقات الفيدرالي “FBI” وأجهزة الاستخبارات الأميركية، حيث أمدّها بما يعرف بـ”ملف ستيل”، الذي يزعم أن لدى روسيا مواد فاضحة تتعلق بالرئيس الأميركي، كما تضمن ادّعاءات لا أساس لها، أفادت بأن فريق ترمب تواطأ مع موسكو، وهو ما لم يثبت صحته، وفقاً لتحقيق روبرت مولر، المحقق الخاص في قضية التدخل الروسي.
وتقول الصحيفة إن المعلومات التي تكشّفت أخيراً متزامنةً مع إسقاط وزارة العدل اتهاماتها ضد الجنرال فلين، تثبت أن الرئيس أوباما، في أيامه الأخيرة في منصبه، لعب دوراً رئيساً في تأجيج نيران فضيحة زائفة. فبعد اطّلاعه على تحقيق فريقه كان يعلم أن مكتب التحقيقات الفيدرالي لم يأتِ بأي شيء على الرغم من أشهر من العمل بدأت في يوليو (تموز) 2016، ومع ذلك أبلغ كبار مسؤوليه الإبقاء على مراقبة فريق ترمب. حدث ذلك في اجتماع المكتب البيضاوي مع نائبه جو بايدن، ورؤساء الاستخبارات جون برينان وجيم كلابر ومستشارة الأمن القومي سوزان رايس، وكذلك مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي جيمس كومي، ونائب المدعي العام سالي ييتس.
“من منظور الأمن القومي”، ذكرت رايس في مذكراتها “قال الرئيس أوباما إنه يريد أن يتأكد من أننا، أثناء تعاملنا مع الفريق المقبل، نحرص على التأكد مما إذا كان هناك أي سبب يمنعنا من مشاركة المعلومات الكاملة في ما يتعلق بروسيا”. هذا في الوقت الذي كان الرئيس أوباما قد وجّه أيضاً بإطلاع أكبر عدد ممكن من الأشخاص عبر إدارته على الادعاءات (التي لا أساس لها من الصحة تماماً) ضد فريق ترمب. واتهمت الصحيفة رايس وآخرين باتخاذ خطوات غير مسبوقة للكشف عن هوية مواطنين أميركيين، مثل فلين، الذين كانت محادثاتهم قد تم ضبطها عبر التنصت على المكالمات الفيدرالية للأجانب.
وتقول الصحيفة إن إدارة أوباما مارست هجوماً واسع النطاق عبر تسريب المعلومات، حيث سلّمت “واشنطن بوست” و”نيويورك تايمز” وآخرين سيلاً لا يتوقف من المزاعم “المجهولة” عن علاقات ترمب مع موسكو. وزعمت أن التحقيقات وجدت الكثير من أفعال الخيانة في فريقه الرئاسي، في حين أن المحققين لم يجدوا شيئاً. وتضيف “للأسف، تلاعب مكتب التحقيقات الفيدرالي، برئاسة كومي، جنباً إلى جنب، بالمقابلة (الودية)” مع فلين التي أصبحت في ما بعد ذريعة للتهم المزيفة التي أسقطت الأسبوع الماضي، بالإضافة إلى إثارة الفوضى في البيت الأبيض التي أدت إلى الإطاحة به. هذا في الوقت الذي خلص فيه المكتب بعد ذلك إلى أنه لم يفعل شيئاً من قبيل التواطؤ مع الروس.
وتلفت إلى أن كومي قدّم بنفسه لترمب إحاطة مضللة عن قصد حول ملف ستيل. وأعقب ذلك تسريبات تشير إلى أن الملف كان رأس جبل جليدي، وليس حزمة من المزاعم التي لم يتم فحصها على الإطلاق تحت تدقيق مكتب التحقيقات الفيدرالي.
بل تم منح جوائز “بوليتزر” لصحافيين عن تغطية تهمة من درب الخيال التام.
غير أن وسائل الإعلام الليبرالية المناوئة لترمب، دافعت عن الرئيس السابق، معتبرة أن الأمر ليس سوى امتداد لنظرية المؤامرة التي لطالما روّج لها وحلفاؤه منذ وصوله للبيت الأبيض. وقالت شبكة “سي.إن.إن” الإخبارية إن ترمب سارع إلى استغلال الأمر لتصويره على أنه فضيحة “أوباماغيت” مزعومة، وغمر “تويتر” بالترويج لنظريات مبالغ فيها ومزاعم كاذبة، وأضافت أنها محاولة من الرئيس الحالي لمحاولة صرف الانتباه عن جائحة فيروس كورونا المستجد مع تجاوز عدد القتلى في جميع أنحاء البلاد 80.000 شخص وتضاعف معدل البطالة ثلاث مرات إلى 14.7 في المئة.
وقالت الشبكة إن ترمب لطالما زعم من دون دليل أن الديمقراطيين داخل وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالي أساؤوا استخدام سلطاتهم للتحقيق مع أعضاء حملته وتقويض رئاسته، ويبدو أن عبارة “Obamagate” هي امتداد لهذه النظرية الأساسية. وتابعت بأن ترمب سعى لمزج النتائج الحقيقية في سوء تصرف مكتب التحقيقات الفيدرالي وبعض المعلومات المختارة لنسج قصة أعمق وأكثر شراً.
وفي هذا الصدد، أعربت صحيفة “واشنطن بوست” عن خشيتها من استغلال ترمب وحلفائه من الحزب الجمهوري، هذه القضية لتحقيق مكاسب انتخابية في خريف العام الحالي، حيث انتخابات الرئاسة والكونغرس التي يسعي فيها الجمهوريون لاستعادة الأغلبية على مجلس النواب، التي فقدوها في انتخابات التجديد النصفي في 2018.
المصدر : اندبندنت العربية