التهريب إلى سوريا: تنصّل عوني وعراضات سياسية وأمنية
حجزت قوة من المديرية العامة للجمارك ضابطة طرابلس، مفرزة عندقت- عكار، شاحنتين تحملان في صندوقهما خزانات مموهة مملوءة بمادة المازوت (حوالي 22000 ليتر) ومتجهتين نحو منطقة حدودية مع سوريا. واثناء اقتياد الشاحنتين إلى المركز تعرضت القوة لاعتداء من قبل مجموعة كبيرة من الأشخاص ما سمح بفرار الآليتين. ثم أعيد توقيفهما من قبل احد حواجز الجيش اللبناني، بعد التنسيق مع قواته المنتشرة في المنطقة، وجرى استلامهما، تمهيدا لاتخاذ الاجراءات المناسبة بحقهما وبحق جميع المعتدين في ضوء إشارة القضاء المختص.
هذه الحادثة وغيرها تدل على أن السلطات القضائية المختصة في لبنان، لم تفتح ملف تهريب المحروقات إلى سوريا كما يجب بعد. وما تقوم به الأجهزة الأمنية في هذا المجال، لا يبدو كافياً.
الصور – الإخبار
هذا، فيما تحاول بعض جماعات الأمر الواقع في المناطق، وتحديداً في الشمال والبقاع، تطويق الأجهزة الأمنية وعملها. على ما جرى من إعتداء على رجال الأمن الذين حاولوا منع الشاحنات والصهاريج من التوجه إلى سوريا.
الصور الظاهرة لقوافل الصهاريج على وسائل التواصل الاجتماعي، كافية لتكون إخباراً إلى النيابات العامة. قبلها صدر تصريح مبهم لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، تحدث فيه عن هذا الأمر على نحو غامض وملتبس، وغير علني.
تصريح مبهم
لكن سلامة أشار، بطريقة أو بأخرى، إلى أن أحد الأسباب الرئيسية للخسارة المالية في مصرف لبنان، تعود إلى توفير الدعم المالي لسلع أساسية، منها المحروقات. ولكن ليست مسؤولية المصرف المركزي متابعة ما إذا كانت هذه المحروقات تستخدم في الأسواق اللبنانية أو خارج لبنان.
ويشير التصريح إشارةً مبطنة إلى عمليات تهريب المحروقات إلى سوريا. ويعود تجدد عمليات التهريب بكثرة في هذه الفترة، إلى أسباب انخفاض أسعار المحروقات، من البنزين والمازوت والغاز، إضافة إلى الطحين، في لبنان. وهذا في مقابل ارتفاع أسعارها في سوريا، الرازحة تحت سيف عقوبات تؤدي إلى فقدان المواد الأساسية من أسواقها.
التنصل العوني
تعيد الفضائح إلى أذهان اللبنانيين السجال الذي دار قبل أشهر، وأيام الحكومة السابقة، حول المعابر غير الشرعية والتي تستخدم للتهريب بين البلدين.
يومها، وقف وزير الدفاع إلياس بو صعب رافضاً هذه التهم، وقام بعراضات متتالية على طول السلسلة الشرقية، ليعلن أن المعابر أُقفلت كلها. ثم دار السجال بين التيار العوني والقوات اللبنانية، لكنه سُيِّس. وزير الدفاع وفريقه السياسي حاولا التنصل من هذه المشكلة الكبرى، التي تمثل عنواناً رئيسياً لدى المجتمع الدولي حول ضرورة ضبط الحدود.
يعود تاريخ تهريب المازوت إلى سوريا إلى العام 2013. واستمرت هذه العمليات مع استمرار العقوبات على النظام السوري. ولكن مع انخفاض أسعار النفط، تزايدت عمليات التهريب. وهي تتسبب بخسائر للخزينة اللبنانية، بحوالى نصف مليار دولار سنوياً، هذا في المازوت فقط، ناهيك عن تهريب البنزين والغاز والطحين.
عراضات صغيرة
في لبنان، من عادات السلطات السياسية والأمنية والقضائية، ذر الرماد في العيون في القضايا والأحوال كلها. ومنها القبض على الصرّافين، واتهامهم بالتلاعب بسعر صرف الدولار، وبعمليات بيعه وشرائه. وهذا لتنفيس احتقان الناس، بينما الحلّ الناجع يُفترض أن يكون معروفاً وبديهياً: ضخ الدولار في الأسواق لتثبيت السعر، وليس إلقاء القبض على الصرّافين.
اليوم، تقوم القوى الأمنية بعمليات استعراض لتوقيف شاحنات التهريب إلى سوريا عبر المعابر الشرعية. وكأنما المقصود الإشارة إلى هذه الكمية الضئيلة المهربة على المعابر الشرعية، في مقابل غض النظر عن المعابر غير الشرعية.
طبعاً، لا يمكن رفض إجراءات الأجهزة الأمنية على المعابر الشرعية في مكافحة عمليات التهريب. ولكن ذلك لا يمكن أن يكون من قبيل ذر الرماد في العيون، وغطاءً لاستمرار العمليات على المعابر غير الشرعية. ففي مقابل تهريب هذه المواد المدعومة من المصرف المركزي، تُهرّب المواد الغذائية والبضاعة من الأسواق السورية، لأنها أرخص سعراً من ما هي عليه في السوق اللبنانية. وهذه البضائع أيضاً تدخل إلى لبنان بلا أي رسوم جمركية، لتدمر القطاع الزراعي خصوصاً.
المصدر : المدن