البطريرك يرفع عصاه.. هل تبدأ ثورة مسيحية على العونية؟
رفع البطريرك بشارة الراعي صوته، ولوّح بعصاه. فهو يتعرض منذ أيام لضغوط كبيرة من جمهور واسع في الشارع المسيحي، فقراء وبرجوازيين. فالمسيحيون يشعرون بخسارة لبنانهم، لبنان الاقتصاد الحر، الشركات والمصارف.
مآسي المسيحيين
لم يجد المتعلقون بلبنانهم الكبير سوى بكركي لإسماعها شكواهم، فيما هم في سنة ذكرى مئوية تأسيس لبنان، يشهدون تهاويه من حضيض إلى حضيض. فالمسيحيون يشعرون بأنهم في أقصى لحظات ضعفهم اليوم. علماً أن آمالهم كانت معاكسة في نظرتهم إلى العهد الحالي. لكنهم هاهم يستشعرون خطر التبدد، مع انهيار ما تبقى من لبنان الذي أرساه البطريرك الحويك.
يخشى المسيحيون من تكرار الصراعات المسيحية السابقة، تلك التي أتخذت أبعاداً سياسية وعسكرية، وها هي تتخذ أشكالاً أخرى تطاول النظام المالي والاقتصادي. فهم أصحاب الشركات الكبرى، ورعاة القطاع المصرفي، ويشهدون سقوط هذه القطاعات كلها، نتيجة صراعات مسيحية جديدة. ومواقع المسيحيين المرموقة في الدولة أصبحت كلها مدار تناتشٍ واستضعاف، على مذبح صراعات شخصية أو مصلحية، يرون أنهم يدفعون ثمنها أمس والآن ومستقبلاً. هذا فيما تغشى العيون سكرة موجة الشعبوية. أما من ينظر إلى المستقبل، فلا بد من أن يراه قاتماً، إذا استمر المسار على حاله.
العهد والقضاء
في كل يوم يفتح المسيحيون دفاتر مواجعهم: مواقعهم في الدولة مستهدفة. والأخطر أن استهدافها مصدره البيت الداخلي. وتحديداً ممن كان يسعى إلى تقوية نفوذهم ومواقعهم. فإذا به يغلِّب نرجسيته السلطوية على حسابهم.
كان تعطيل التشكيلات القضائية التي أنجزها مجلس القضاء الأعلى باباً جديداً للشكوى. فاستهداف رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود، يندرج في خانة استهداف مباشرة للمواقع المسيحية الأساسية في الدولة. علماً أن العهد هو الذي عين عبود في موقعه. وهو باعترافهم من أنزه القضاة، وجاء بفريق عمل ممتاز. وعمل عبود مع القضاة طوال أشهر ثلاثة لإنجاز التشكيلات القضائية، فرفضها العهد.
ويطرح المسيحيون تساؤلات كثيرة: ما الذي تغير في مجلس القضاء ورئيسه؟ ولا جواب سوى أنه لم يلب تطلعات العهد وطموحاته للتحكم بمفاصل القرار في السلطة الرابعة. وهنا تسقط النزاهة وحسن الاختيار عند عتبة الولاء للعهد: “إما أن تكون معنا، وإما أن تكون ضدنا”. ومعيار ثبات الإشادة، يرتبط بمدى تلبية الإشارات والرسائل والمتطلبات الخاصة.
وضربت التشكيلات بصيغ متعددة، كتجزئتها بين عدلية وعسكرية، لم ينجح الفصل بإقرارها. رئيس الجمهورية لا يريد التوقيع على التشكيلات العدلية، بذريعة اكتشافه أن عدد القضاة في المحكمة العسكرية أكبر من العدد الذي يسمح به القانون. وهذا يعني الآتي: إذا كان العدد في القانون 12، والمشكلين عددهم 17، فيجب إزاحة 5 قضاة. إي إعادة النظر بالتشكيلات كلها، وخلط الأوراق، وطرح التشكيلات مجدداً على مجلس القضاء لتوقيعها.
انقلابات العهد
وعندما بدأت الانتقادات للعهد تتطاول وتتسع، تذرع العهد بأن المشكلة مع سهيل عبود سببها أن حسابات رئاسة الجمهورية بدأت تدغدغه.
المشكلة الأساسية بين العهد وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، من الطينة نفسها. هذا هو الخطر الأساسي الذي يمثله سلامة على سكان قصر بعبدا.
الأمر نفسه ينطبق على قائد الجيش جوزاف عون. وهناك مشاكل مشابهة مع بعض الشخصيات المارونية الأخرى. وكذلك مع رئيس دائرة المناقصات جان العلية، ورئيس التفتيش المركزي جورج عطية، اللذين عيّنهما العهد، ولكنهما لم يلبيا كل ما يريده قصر بعبدا، فجرى الانقلاب عليهم.
مناصب لطاعة الرئاسة
تاريخياً لم يرزح المسيحيون تحت شعار: “أنا أو لا أحد”. وهذا أكثر ما يقاسونه اليوم. يقف أمامهم اليوم من يعتبر نفسه، بعنجهيته ورغباته في توريث صهره، أنه السلطة والدولة. والشخص نفسه يجعل مرتكزات الموارنة في النظام اللبناني – وهي تبدأ من البطريركية، إلى حاكمية مصرف لبنان، ورئاسة مجلس القضاء الأعلى، وقيادة الجيش – مستهدفة وفي خدمة حسابات الرئاسة ورغبتها في التوريث.
منير الربيع – المدن