عواصف الأيام السوداء القادمة..
المصدر : اللواء
قرار التخلّف عن الدفع لاستحقاق اليوروبوند اليوم لا يُشكل نكسة كبيرة لحكومة المواجهة والإنقاذ، بقدر ما هي انتكاسة جديدة للدولة اللبنانية، وسمعتها المتردية في الأوساط الدولية، السياسية والمالية، ستضاعف الصعوبات والتحديات التي سيواجهها لبنان في استعادة ثقة الدول المانحة، وخاصة الشركاء في مؤتمر سيدر، الذي يمكن القول أنه أصبح «في خبر كان»!
المفارقة الساذجة، والمضحكة في الوقت نفسه، أن اجتماع الرؤساء الثلاثة بحضور رئيس جمعية المصارف وخبراء اقتصاديين وماليين، وبعده مجلس الوزراء، «ترك للحكومة حرية معالجة هيكلة الدين العام، باستثناء دفع استحقاق اليوروبوند»، بمعنى أنه ألزم الحكومة بعدم الدفع، وسلبها صلاحياتها الدستورية علناً، من دون أي حرج أو خجل، ثم الادعاء بترك الحرية المزعومة للحكومة المغلوب على أمرها، وتجاوز رغبة رئيسها بدفع الفوائد على الأقل، لتقوية موقف لبنان في المفاوضات المرتقبة مع الدائنين لإعادة جدولة وهيكلة الدين العام!
هي المرة الأولى التي يبلغ فيها استهتار الدولة اللبنانية بالتزاماتها تجاه الأطراف الدائنة هذا المستوى من الاستلشاق، والذي بلغ حد الإقدام على التخلف عن الدفع، من دون تمهيد بمفاوضات مسبقة لتواريخ الاستحقاقات الداهمة، مع المؤسسات المالية الدولية الدائنة، وهي خطوة خطيرة تهدد بتصنيف لبنان دولة مفلسة وفاشلة، مما يُعرّض موجوداته في الخارج، وخاصة الذهب لتدابير الحجز، فضلاً عن توجيه ضربة جديدة وموجعة للمصارف اللبنانية، قد تقضي على ما تبقى من أرصدتها المالية والمعنوية في الخارج، وتزيد من تعقيدات الخروج من مهاوي الأزمة المالية والمعيشية الحالية.
والأكثر طرافة مع هذه الدولة العلية، أن الحكومة دعت صندوق النقد الدولي لمساعدتها تقنياً، وإبداء النصائح المناسبة لمواجهة العجز المتمادي في مالية الدولة، والذي لا يُمكنها من سداد مستحقاتها في مواعيدها، فكانت النتيجة أنهم ضربوا عرض الحائط بنتائج المفاوضات مع بعثة الصندوق التي «أضاعت» أسبوعاً كاملاً مع كبار المسؤولين السياسيين والماليين، من دون أن يطرح لبنان خطة بديلة لنصائح الصندوق الدولي!
لبنان يواجه وحيداً هذه المرة، انعكاسات سياسة النهب المنظم، والهدر المتفلت في ماليته، بعدما أقفل الأبواب أمام الحد الأدنى من التعاون مع المؤسسات الدولية!
فهل عبقريات السياسيين الذين أوصلوا البلد إلى هاوية الإفلاس قادرة على اجتراح المعجزات؟
كان الله في عون هذا الشعب المنكوب بقادته، على تحمّل عواصف الأيام السوداء القادمة!